الأربعاء ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٩ ناجي س. البستاني – خاص النشرة
على الرغم من كل الضُغوط التي مُورست على رئيس “تيّار المُستقبل” سعد الحريري، لحثّه على عدم تقديم إستقالة حُكومته، قلب الحريري الطاولة على نفسه وعلى الآخرين، بعد أن وصل إلى طريق مَسدود في مُحاولاته لإيجاد المخرج المُناسب للأزمة الحالية. فماذا بعد هذه الخُطوة التي وصَفها بالصدمة المَطلوبة؟.
لا شكّ أنّ حُكومة تصريف الأعمال بكامل الأعضاء فيها(1)تتمتّع بسُلطات تنفيذيّة مَحدودة جدًا، ما يعني أنّ لبنان الذي يقف على حافة الهاوية سيمرّ بمرحلة دقيقة جدًا، في إنتظار إعادة تشكيل السُلطة السياسيّة. وبالتالي، الأنظار كلّها ستتجه إلى الإتصالات التي ستجري لتشكيل حُكومة جديدة، لأنّ إستقالة الحُكومة نافذة دُستوريًا، حتى لوّ تأخّر قُبولها(2). فهل ستكون الحُكومة المُقبلة سياسيّة مُجدّدًا، أم مُستقلّة وخاليّة من الشخصيّات الحزبيّة، أم أنّها ستجمع بين شخصيّات سياسيّة وأخرى مُستقلّة وتكنوقراط؟ ومَعرفة أيّ إتجاه ستسلكه الأمور، يبدأ من إسم الشخصيّة التي سيتمّ تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة. فإعادة تكليف رئيس “التيّار الأزرق” مُجدّدًا شيء، بينما إختيار شخصيّة أخرى شيء آخر تمامًا، علمًا أنّ الأغلبيّة النيابيّة حاليًا هي لصالح التحالف بين قوى “8 آذار” و”التيّار الوطني الحُرّ، ما يعني قُدرة هذه القوى على إختيار شخصيّة سياسيّة من صُفوفها إن أرادت. والأسئلة لا تنتهي بالنسبة إلى إحتمال عودة بعض الشخصيّات وبعض الأحزاب والقوى إلى الحكم، فإذا كانت الحُكومة المُقبلة سياسيّة بالكامل أم جزئيًا، هل ستضمّ كلّ من حزبي “القوات” و”الإشتراكي” اللذين يُحمّلهما “التيار الوطني الحُرّ” مسؤولية وضع العُصي في دواليب عهد الرئيس العماد ميشال عون، علمًا أنّ كلاً من “القوات” و”الإشتراكي” يُطالبان حاليًا بتشكيل حُكومة غير سياسيّة؟ وهل سيعود بعض الوزراء الذين تعرّضوا خلال التظاهراتلأكبر نسبة إنتقاد وتهجّم من جانب المُتظاهرين؟.
والأخطر من كل ما سبق، ماذا لو بقيت الخلافات الداخليّة، وعمليّات شدّ الحبال قائمة، إن بين القوى السياسيّة اللبنانيّة في ما بينها، أو ما بين جزء من هذه القوى وجهات خارجيّة، فكيف يُمكن تشكيل حُكومة جديدة؟ وفي حال عدم تكليف رئيس الحُكومة المُستقيل مُجدّدًا، ماذا سيكون موقف أنصار “تيّار المُستقبل” الذين أعلنوا بسرعة رفضهم لتحميل الحريري وحده مسؤولية ما وصل إليه البلد، أو أن يكون وحده “كبش فداء” التظاهرات والإحتجاجات، وقاموا بإغلاق بعض الطُرقات؟ وهل يُمكن أن تذهب الأغلبيّة النيابيّة الحاليّة إلى تشكيل حُكومة مُواجهة مع قوى “14 آذار” السابقة، ومع عدد من الدول الغربيّة؟ وفي حال ذهبت هذه القوى إلى هذا الخيار، كيف سيتصرّف كلّ من “تيّار المُستقبل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” وحزب “القوات اللبنانيّة”؟وفي كل الأحوال، ماذا عن “التسوية الرئاسيّة”، وكيف ستستمرّ في حال إبعاد أي من أركان هذه التسوية عن السُلطة التنفيذيّة في المُستقبل، خاصة وأنّ الأحداث الأخيرة تركت جروحًا عميقة على مُستوى الكثير من التفاهمات وحتى على مُستوى التحالفات السابقة.
وعلى خطّ مُواز، ماذا عن الحراك الشعبي، وماذا عن التظاهرات والإعتصامات، وعن عمليّات قطع الطُرق. فمن هي الجهات التي ستبقى في الشارع، ومن هي الجهات التي ستنسحب من الشارع؟ ومن هي الشرائح ضُمن المُتظاهرين التي ستكتفي بإستقالة الحُكومة، ومن هي الشرائح التي ستبقى في الشارع للمُطالبة بتشكيل حكومة من المُستقلّين، ومن هي القوى التي ستبقى للمُطالبة بإجراء إنتخابات مُبكرة، أو حتى بإسقاط النظام، إلخ. وهل يُمكن إمتصاص غضب مُناصري “تيّار المُستقبل” الذين يرفضون أن يكون رئيس الحكومة هو الوحيد الذي سيخرج من الحُكم؟ من جهة أخرى، هل سيبدأ الجيش والقوى الأمنيّة اللبنانيّة بفتح كل الطُرقات بالقُوّة، بعد أن إستقالة الحُكومة، ولم يعد يُوجد أيّ سبب مُقنع لشلّ البلاد؟.
في الختام، لا شكّ أنّ الأسئلة كثيرة جدًا ومُتشعّبة، والصورة لن تتوضّح قبل مرور فترة زمنيّة غير قصيرة. وفي الإنتظار، المُهمّة الأصعب إلى جانب حفظ الإستقرار الأهلي، تتمثّل بحفظ الإستقرار المالي، في ظلّ الإهتزازات التي يمرّ بها لبنان، والتي لم تنته فُصولاً بعد.
(1) إشارة إلى أنّه في حال طال أمد تشكيل الحُكومة، فإنّ وزراء حزب “القوات اللبنانيّة” الذين قدموا إستقالتهم قبل تقديم الحريري إستقالته، يُمكنهم تصريف الأعمال كزملائهم، لأنّ إستقالتهم المُسبقة لم تُقبل.
(2)بحسب المادة 69 من الدُستور اللبناني، إذا كانت الإستقالة خطية فلا رجوع عنها.