الحريري لبرّي: “ما عاد فيّي إحمل جبران”
غادة حلاوي
31 تشرين الأول 2019
بعدما وضعت إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري الجميع في مأزق، حاولت كل القوى السياسية بمن فيها رئيس الجمهورية ميشال عون استيعاب ما حصل مع شرح الأسباب والملابسات. الضبابية سيدة الموقف بانتظار موقف “حزب الله” وعون.
حين طلب الحريري موعداً للقاء رئيس الجمهورية لم يكن قد وضع الرئيس مسبقاً في جو الاستقالة قبل أن يطلع على مضمونها من خلال وسائل الاعلام. عتب عون على الحريري كبير. لم يبادله الوفاء بالوفاء. يوم استقال الحريري من السعودية، أصرّ عون على رفض الاستقالة والتعاطي معها كأنها لم تكن طالما أن الحريري خارج البلاد، وخاض معركة عودته إلى لبنان.
كان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي أول المتحركين على خط المشاورات في العلن، زار الحريري موفداً من عون.
ويعرف الحريري أنه لولا موقف عون و”حزب الله” لكان واقعه اليوم مختلفاً، ومع ذلك انقلب عليهما ولم يلتزم بوعد قطعه بعدم الاستقالة، ولم يصمد في مواجهة الضغوط لدفعه إلى الاستقالة رغم كل الضمانات التي قدّمها له “حزب الله”، والتحذير من تداعيات الاستقالة وما يمكن أن تسبّبه من ضرر على البلد وعلى علاقاته وتحالفاته السياسية في المستقبل.
كان “حزب الله” قد أبلغ الحريري أن خروجه من الحكومة سيجعله خارج المعادلة السياسية بحيث لا يضمن تسميته لرئاسة حكومة جديدة، نصحه الفرنسيون وكذلك الأميركيون بالتريّث، وحدها السعودية التزمت الصمت إلى أن جاءه من يوحي اليه بترحيبها بالاستقالة. هناك شخصيات من حول الحريري كانت تنصحه ولا تزال بالانسحاب من الحكومة والاستفادة من الحراك في الشارع لاستعادة جمهوره. جاء ذلك في وقت طفح فيه كيل رئيس الحكومة المستقيل من حليفه في التسوية الوزير جبران باسيل الذي أحرجه حتى أخرجه من الحكومة.
وضع الحريري في الحكومة المستقيلة لم يكن سليماً ولا مرضياً له ولشارعه، جاءت استقالته في وقت أراد معه إنقاذ جمهوره وصورة رئيس الحكومة بعدما كانت مطوّقة بتهمة التعدي على صلاحياتها.
اللوم الأكبر على الحريري هو من “حزب الله” الذي استمر في ثنيه عن الاستقالة حتى النفس الأخير، ومع ذلك لم يتكبّد عناء نقاش الأمر بوضوح وروية معه. الاستقالة أصابت “حزب الله” في الصميم، قد تكون أربكته ووضعته في حيرة من أمر قراره. ماذا تبقى في يده من أوراق كي يلعبها؟ المؤكد أن لدى “حزب الله” الخطة (ب) لما بعد استقالة الحريري. طالما كانت الاستقالة متوقعة بسبب تردّد الحريري ومخاوفه المتزايدة، ولكن ما هي الخيارات التي قد يلجأ إليها “الحزب”؟ وهل بإمكانه الذهاب نحو تسمية شخصية أخرى؟ قد يقول قائل إن الأسماء كثيرة ولكن الواقع مغاير. ذلك أن الغالبية، إن لم يكن كل الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة، ليست على قدر المسؤولية في الوقت الراهن، عدا عن ذلك فحين قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لمن يحاول أن يخرج من الحكومة “ما يخمّن حالو زمط” فهو قصد الحريري من ضمن من قصدهم لناحية الاستمرار في تحمّل مسؤولية الوضعين المالي والاقتصادي. ثم إن “حزب الله”، وإن خرج وجمهوره من الشارع لكنه سلّم بشرعية الحراك، ولذا فهو لن يخطو خطوة مستفزة له مجدّداً بعد كلّ ما شهدناه في الشارع. وإذا كان “حزب الله” لم يحسم أمره هل سيذهب باتجاه حكومة مواجهة أو الدخول في تسوية مع الحريري، فإن رفضه حكومة التكنوقراط محسوم لاعتباره أن الهجمة السياسية وخطورة الوضع المالي لا تواجهان بالتكنوقراط.
وليس الرئيس نبيه بري أقلّ عتباً على الحريري بعدما بذل جهداً مضنياً لثنيه عن الاستقالة وأخذ على عاتقه مساعدته في إيجاد الحل. أبلغ الحريري بري ما حرفيته “ما عاد فيّي احمل جبران في الحكومة” فأجابه بري “نتحمله سوا” فأجابه “بدي استقيل”.
عتب على الحريري
كان من ضمن المآخذ على الحريري أنه تقدم بورقة إصلاحية خالية من أية آلية للتطبيق وغاب عن التشاور بشأنها. وإذا أضفنا الوقفة الى جانبه حين كان في السعودية وفي خلال 14 يوماً من الحراك، والتي بادلها بالاستقالة يكون العتب عليه مضاعفاً. لكنه عتب قد لا يؤثر على تسمية الحريري في حال اتفق و”حزب الله” على المسألة، أو قد يكون الاتفاق أن تلتزم كتلة بري تسمية الحريري وتحجم كتلة “حزب الله” عن تسمية مرشح.
أما الحزب “الاشتراكي” فهو بانتظار ما ستخرج به القوى السياسية الاخرى ولو أنه حسم خياره المؤيد لعودة الحريري مع حكومة من دون وجوه مستفزة أو دعم أية شخصية يختارها الحريري.
قبل رئيس الجمهورية أمس استقالة الحريري وكلّفه تصريف الأعمال ريثما يصار الى تكليف رئيس جديد للحكومة، وحسبما توافر من معلومات فالمرجح أن يدعو عون إلى استشارات نيابية ملزمة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
كان الهدف من التريث في الدعوة إلى الاستشارات إفساح المجال أمام مزيد من المشاورات بين الكتل السياسية والنيابية لإجراء استشارات استباقية بهدف الخروج، وفق ما هو متعارف عليه، باتفاق مسبق حول الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة وشكل الحكومة وعدد وزرائها. ولو أن المباحثات الأولية تشير الى تغليب فكرة حكومة أغلبها من أهل الاختصاص تفصل النيابة عن الوزارة ولا تتضمن محازبين بل شخصيات محسوبة أو مقرّبة من الاحزاب.
غير أن مصادر سياسية في الثامن من آذار قالت إن الصورة لم تتضح بعد وثمة مشاورات داخلية وخارجية تتبلور الامور بناء عليها. وتحدثت عن مجموعة احتمالات بين أن تعاد تسمية الحريري أو مقرب منه أو يصار إلى تسمية شخصية من خارج التوقعات، وكله مرتبط بشكل المرحلة والافق مفتوح على الاحتمالات.
هي أيام فاصلة عن الاستشارات قد تتوضح خلالها معالم ما ستؤول إليه دفة الأمور، سنشهد مزيداً من التعنّت، والشروط والشروط المضادة، بخاصة وأن “حزب الله” كما الحريري يعتبر كل منهما نفسه في موقع يؤهله لفرض الشروط وهو يحتاج الى ضمانات. ولو أن كلاهما في الهمّ والمسؤولية واحد، فيما هامش الوقت ضيق والمشاورات ستحصل على وقع الضغوط الخارجية والشارع من جهة والتدهور المالي من جهة أخرى.