اعلاميون واعلاميات ضد الشذوذ الجنسي
اعلاميون واعلاميات ضد الشذوذ الجنسي
       
دوليات

موقف القانون الدولي من الإغتيال الأخير قرب مطار بغداد

تشكل مسألة حفظ السلم والأمن الدوليين إحدى أهم الأهداف الأساسية لإنشاء عصبة الأمم ومن بعدها ميثاق الأمم المتحدة، ولتحقيق هذه الغاية كان لا بد من تفعيل وتأطير الجهود الدولية في سبيل تعزيز السلم والأمن في العالم من خلال إزالة المسببات التي تهدد السلام العالمي وقمع كل عمل عدواني، وفي هذا الإطار أعلن عهد عصبة الأمم بداية عصر التنظيم الدولي نتيجة اتفاق الدول على إنشاء أول منظمة دولية عامة تكون مهمتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، بعد المآسي والنتائج المنبثقة عن الحرب العالمية الأولى على الصعيدين البشري والمادي.

ثم تلا إقرار عهد عصبة الأمم بتاريخ 28/نيسان/ 1919 عدة محاولات لوضع قيود على حق الدول باستخدام القوة الذي يشكل السبب الرئيسي في انتهاك واجب الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومن هذه المحاولات اتفاقية (لوكارنو) بتاريخ 16/ تشرين أول/ 1925 وميثاق باريس (بريان- كيلوج) بتاريخ 27/آب/1928، غير أن جميع هذه الوثائق لم تنجح في حظر اللجوء الى استخدام القوة على صعيد العلاقات الدولية، ولم تكن كافية لتجنّب العالم خطر وقوع حرب عالمية أخرى، وهو الأمر الذي حصل فعلاً بنشوب الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، الى أن تم إقرار ميثاق الأمم المتحدة الذي أصبح نافذاً قانوناً بتاريخ 24/تشرين اول/1945، حيث تمكنت الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ المجتمع الدولي من وضع نص موضوعي وعام وشامل بحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، يتمثل بالفقرة الرابعة من المادة الثانية التي جاء فيها ما يلي: “يمتنع أعضاء الهيئة عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الإستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”، التي من أهمها حفظ السلم والأمن الدوليين.

إن السند القانوني الصريح لمبدأ حظر استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة يتمثل بالفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه: “يمتنع أعضاء الهيئة عن التهديد باستخدام القوة او استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الإستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”، ونستخلص من هذا النص أن الدول يحظّر عليها ما يلي:

التهديد بالقوة، أي مجرّد التهديد بها.

استخدام القوة الفعلية:

– ضد السلامة الإقليمية للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

– ضد إستقلالها السياسي.

– على نحو لا يتفق مع أهداف المنظمة.

كما نجد أيضاً بعض القواعد القانونية التي تشير بشكل غير مباشر إلى مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية كالفقرة الثالثة من المادة الثانية التي تنص على أنه: “يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”.

ثم تأكد مبدأ حظر استخدام القوة في العديد من المواثيق الدولية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

– قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2625) تاريخ 24/تشرين اول/1970 الذي أكد على التزام الدول بالإمتناع عن الدعاية لحرب الإعتداء أو التهديد باستخدام القوة أو استعمالها لانتهاك الحدود الدولية لأي دولة كوسيلة لحل المنازعات الإقليمية، وأن انتهاك مبدأ حظر استخدام القوة الوارد في المادة(2/4) يعد انتهاكاً للقانون الدولي وأحكام الميثاق.

– القرار رقم (2334) الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 16/كانون اول/1970 المعروف بإعلان “تعزيز الأمن الدولي” الذي نص على دعوة جميع الدول بمراعاة أهداف ومبادئ الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية خاصة مبدأ الإمتناع عن اللجوء للقوة أو التهديد بها وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

– القرار الصادر عن الجمعية العامة رقم (3314) تاريخ 14/أيلول/1974 المتعلق بتعريف العدوان، حيث عرّفته المادة الأولى منه بأنه استخدام القوات المسلحة لدولة ما ضد سيادة ووحدة الأراضي أو الإستقلال السياسي لدولة أخرى، أو بأي شكل يتنافى وميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي نقول بأن تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية يستمد قيمته القانونية من قيمة ميثاق الأمم المتحدة ذاته الذي يعلو على أي التزام أو معاهدة دولية طبقاً لمضمون المادة (103) منه التي تنص على أنه ” إذا تعارضت الإلتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي إلتزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق”، كما تعززت قيمته أيضاً من خلال كافة المواثيق الدولية التي كرّسته كمبدأ هام من مبادئ القانون الدولي، حتى أصبح قاعدة آمرة في القانون الدولي، أي من النظام العام الدولي، لا يجوز مخالفتها استناداً الى أية دوافع أو اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها وفقاً لما أكدته المادة الخامسة من القرار رقم (3314) الخاص بتعريف العمل العدواني، إلاّ أنه يوجد بعض الإستثناءات على مبدأ حظر استخدام القوة تتمثل بالحالات التالية:

– أولاً: الدفاع الشرعي عن النفس

نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه ” ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين”، وحتى ينشأ الحق بالدفاع الشرعي عن النفس يجب أن يسبقه عمل عدواني مسلح وحال ويصيب أحد الحقوق الجوهرية للدولة، كالحق في سلامة أقليمها، أو حق الإستقلال السياسي أو حق تقرير المصير.

– ثانياً: تدابير الأمن الجماعي الدولي

تنص المادة (42) من الميثاق على أنه ” إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لأعادتهما الى نصابهما”، ويلجأ مجلس الأمن إلى تطبيق نظام الأمن الجماعي في الحالات التي تشكل تهديداً أو إخلالاً بالسلم والأمن الدوليين أو لدى وقوع عمل عدواني.

– ثالثاً: حالة الكفاح المسلح لتقرير المصير

يعترف القانون الدولي بشرعية الكفاح المسلح الذي تقوده حركات التحرر الوطنية من أجل تقرير المصير ضد الإحتلال الأجنبي والسيطرة الإستعمارية، فورد في المادة(1/2) من ميثاق الأمم المتحدة أن احد أهم مقاصد الأمم المتحدة هو إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام مبدأ تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير واتخاذ تدابير ملائمة أخرى لتعزيز السلم العالمي، وكرّست المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لإتفاقيات جنيف لعام(1977) شرعية اللجوء الى القوة المسلحة لتقرير المصير، واعتبرت الكفاح المسلح الذي تخوضه حركات التحرر الوطني بأنه نزاع مسلح دولي.

ولدى مقاربتنا لقضية استخدام القوة المسلحة مؤخراً من جانب القوات المسلحة الأميركية على الأراضي العراقية ضد شخصيات عسكرية قيادية تتمتع بالصفة الرسمية نجد أنها لا تتشابه مع الحالات الثلاث المذكورة، فلا ينطبق عليها الوصف القانوني للحق بالدفاع الشرعي عن النفس، ولا تشكل تدابير قمعية جماعية ضمن إطار قرار متخذ من قبل مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من الميثاق، كما أنها لا تعتبر إحدى حالات الكفاح المسلح المشروعة لتقرير المصير، وبالتالي فإنه من حيث المبدأ يكون إستخدام القوة المسلحة خارج الحالات المذكورة مفتقراً الى الشرعية الدولية التي تستمد من مضمون الميثاق وأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بحالتي الدفاع المشروع عن النفس وممارسة الكفاح المسلح، ومن قرارات مجلس الأمن فيما يخص التدخل العسكري على الصعيد الدولي.

د. خضر ياسين

بلال مشلب

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى