القمار «أونلاين»: الأزمة تبرّر الوسيلة
القمار «أونلاين»: الأزمة تبرّر الوسيلة
نظمية الدرويش- جريدة الاخبار
لم تعد ألعاب القمار محصورة في صالات الكازينوات، بل اخترقت صالونات البيوت.
أدمنها أفراد وامتهنها عاطلون من العمل وموظفون بأجور بالليرة. والنتيجة، خسائر فادحة للاعبين وأرباح خيالية للمندوبين! «روليت» و«بلاك جاك» و«بوكر» ومراهنات على المباريات الرياضية. ألعاب متاحة على مواقع الإنترنت وتطبيقات الهواتف تغري بالربح السريع، والأزمة الاقتصادية مبرّر جاهز الجميع
خسائر بمليارات الليرات وبيع منازل وعقارات وسيارات لسدّ العجز وسطو مسلّح وابتزاز وتعاطي ممنوعات وحرب عصابات وتهديدات بالقتل… ظواهر غلبت أخيراً على إحدى البلدات الصغيرة في الجنوب. والسبب انتشار ألعاب القمار الإلكتروني بين عدد كبير من أبنائها، ما دفع بعضهم إلى الاستدانة بالفائدة.
مع انتشار «كورونا» وإغلاق صالات القمار، تحوّل عدد من الشبان ممّن كانوا يرتادونها إلى مواقع القمار على الإنترنت، ما أدى إلى انتشارها وتطوّرها إلى إنشاء شبكة من المندوبين لتحصيل حسابات اللاعبين. أكثر الألعاب الشائعة، إلكترونياً، الـ«روليت» والمراهنات على ألعاب كرة القدم.
أحد المراهنين «المخضرمين» (35 عاماً) كان يرتاد صالات في شارع الحمرا في بيروت منذ عام 2005، قبل أن يتحوّل إلى المواقع الإلكترونية منذ عام 2017. «لا فرق بين الذهاب إلى الكازينو أو اللعب عبر المواقع لأنها تقدّم المواصفات نفسها مع توفير كلفة الانتقال إلى بيروت وإمكانية اللعب في أي وقت أريده عبر الهاتف، خلال عملي أو أثناء وجودي في البيت». أما «الربح» فـ«وأفر من دون جهد. هكذا تصبح مدمناً وتفكّر باللعبة حتى في نومك.
وإذا خسرت يوهمك عقلك بأنك ستلعب مرة أخيرة لتعوّض الخسارة فتخسر أكثر». لكن، «بعدما أغلقت متجري الذي لم يكن يدرّ عليّ ربع ما كنت أجنيه من القمار، أدمنت اللعب حتّى بعت منزلي وعقاراتي وأصبحت مديناً بمئة مليون ليرة».
الانزلاق إلى الإدمان
في بلدة جنوبية أخرى، انزلق كثر إلى الإدمان على القمار من لعبة ورق في مقهى. أحد الشبان جنى أرباحاً طائلة، ما أغرى آخرين لحذو حذوه. تعلّموا «الصنعة» منه، فكرّت السُّبحة حتى أصبح «مندوباً» يقصده اللاعبون لتعبئة حساباتهم. «اللعب سهل والغالبية تلعب عشوائياً»، يقول حسن ابن البلدة الذي دخل هذا «المجال» قبل سنة ونصف سنة. اللعبة الأكثر تداولاً هي «الكينو» التي «تشبه اللوتو لجهة تعبئة الشبكات، واللعب فيها سهل وتعطي أرباحاً مضاعفة. إذا أصبت خمسة أرقام، الألف ليرة تربح خمسين ألفاً، وإذا أصبت ستة أرقام تربح 130 ألفاً…
وهكذا، فكيف إذا أصبت أكثر أو راهنت بمبلغ أكبر وبشبكات أكثر!». بحماسة، يتحدّث حسن عن شبان ربحوا مبالغ طائلة من رهانات متواضعة، كالمراهنة على فوز فريق كرة قدم ضعيف على فريق صف أول، «هون بتكون نقشت معك». لكنّ الحماسة تفتر لدى الحديث عن الـ«بوكر» التي يهواها اللاعبون المحترفون، فـ«عندما تلعب وتفوز يصيبك الطمع. تلعب بمبلغ كبير فتخسره بأكمله، ثم تستدين رصيداً من المندوب ظنّاً بأنك ستعوّض الخسارة، ما يضطرّك إلى بيع قطعة ذهب أو جهاز هاتف. لكن الخسائر تتضاعف»، يقول حسن الذي فاقت خسائره «مئات الملايين لأن نسبة الخسارة 90%. أما إذا كنت من العشرة في المئة المحظوظين، فستخسر في المرات اللاحقة. المندوبون ومكاتب التعبئة هم من يفوزون فقط».
مهنة «المندوب»
إحدى البلدات توصف بأنها تحوّلت إلى أشهر «مقمرة» يرتادها «المناديب (المندوبون) الأقوياء». و«المندوب» هي المهنة الرائجة هذه الأيام، و«مصلحة اللي ما عندو مصلحة» يعلّق أحمد. وهو مندوب مكتب شحن حسابات اللاعبين، ومهمته التسويق للعبة وإقناع الشباب في بلدته أو حيّه بأن «الميّة بتعملّك مليونين». ولتصبح مندوباً عليك أن تكون ممن «يحمون ساحتهم»، إذ إن «هذا السوق قاسٍ. وإذا ما أكلتو بياكلك» يقول أحد المندوبين المعروفين في منطقته. ويضيف: «كلما كان لديك لاعبون أكثر، كانت قيمة ربحك أعلى. أكبر عدد من اللاعبين يساوي نسبة خاسرين أكبر، وبالتالي ربحاً أكبر لي»، مؤكداً أن قيمة «الشحونات» التي تُطلب منه تصل إلى 300 مليون ليرة شهرياً. ملايين تقابلها خسائر مذلة للاعبين.
يشير إلى أن «أحدهم باع قارورة غاز ليعبّئ رصيده. حرام و600 حرام. إنما ماذا أفعل؟ معاشي لا يكفيني».
مندوب آخر، وهو عسكري سابق، يؤكد أن أرباح المندوب تبلغ 10% إذا كانت الشركة والمندوبون من حاملي التراخيص. «أمّا إذا كانت كحال شركتنا غير مرخصة، فالنسبة تُراوح بين 45 و50% ضمن قيمة حسابي، و10% إذا كانت خارج قيمة حسابي. وهناك نوع من المندوبين تُراوح نسبة أرباحهم بين 65 و70%، يشحنون لحسابهم، وهذا ما يسمّى بلعبة الجارور، فيكون الفوز والخسارة من جارورهم».
إذا كانت نسبة المندوب العادي غير المرخّص من عشرة ملايين ليرة يوميّاً هي النصف، فكم هي أرباح الشركات؟ يجيب: «نحن من بلدة واحدة نشحن شهرياً من أربعة الى خمسة مليارات ليرة»، مشيراً إلى أن بعض أصحاب المكاتب أو الشركات غير المرخّصة هم من أصحاب الانتماء الحزبي المعلن.
الشحن في قبرص!
لكن كيف تعمل الشركات؟ «أي شخص يملك خمسة وعشرين مليار ليرة يمكنه الذهاب إلى قبرص وشحن فِيَش بقيمة مئة مليار وإنشاء علامة تجارية وتصميم موقع وفتح شركة غير مرخّصة في لبنان وتشغيل مندوبين في البلدات أو المناطق التي يتمتع فيها بغطاء سياسي معيّن وجلب اللاعبين والفوز بما نسبته 75% أو أقل بحسب نسب الخاسرين والفائزين» بحسب أحد أصحاب الشركات! يقرّ بأنّ في الأمر غرابة: «أموال وهمية تبيعها الشركات للناس بغير قيمتها الحقيقية وتراكم الشركات أرباحاً خيالية». إلا أنّ في ذلك «مجازفة كبيرة» بناءً على حظ اللاعبين. فإذا فاز أحدهم أو مجموعة بمبلغ يفوق قيمة رصيد الشركة، على الأخيرة أن تلتزم بالدفع من «كيسها».
وبحسب مصدر أمني، فإن كل الشركات «مكاتب غير مرخّصة يعتمد بعضها على غطاء مكتب بورصة أو تحويل أموال أو صيرفة أو على متنفّذين حزبيين أو مرتشين في أجهزة الدولة لحمايته من أي كبسة». على سبيل المثال، أقفلت الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي مكتباً في الزهراني بالشمع الأحمر منذ أكثر من سنة، فيما يؤكد أكثر من مندوب أن المكتب يزاول نشاطه المعتاد.
تتشعّب من آفة إدمان القمار، مخاطر أخرى كالتهديد بالفضح والابتزاز للاعبين ملتزمين دينيّاً والاعتداء والتهديد بالقتل بسبب تراكم المستحقات، أو مصادرة هاتف أو دراجة نارية لمن لم يقدروا على سداد خسائرهم. أحد اللاعبين سرق أموال عائلته ليقامر، فيما انفصل آخرون عن زوجاتهم وأبنائهم، وصولاً إلى «التحشيش» والإدمان على الكحول.