لم يكنْ كغيرِهِ هذا العام… مَنْ ودَّعت السكسكية في ٢٠٢٤؟
“لم يكنْ كغيرِهِ هذا العام”
مَنْ ودَّعت السكسكية في ٢٠٢٤؟
إن شِئْتَ سَمِّهِ عامَ الفقدِ والأحزان أو عامَ الوداعِ والدموعِ والآلام.
عامٌ تشظَّتْ فيه الأرواحُ قبل الأجساد، وفيه نزفتِ الأنفسُ قبلَ الجراحاتِ، وفيه شهقتِ الأنفاسُ دون موت، وفيه حَكَتِ الأرضُ قصةَ العشقِ بينها وبين أبنائها، وأرَّخَتْ أَجَلَّ وأسمى معاني الفداءِ والوفاءِ والتَّضحيةِ في سِفْرِ الخالدين. عامٌ فيه امتزجَ الدَّمُ بالترابِ مُعاندًاُ كلَّ معادلاتِ الكيمياء وكانت جاذبيةُالسَّماءِ هذه المرَّة أقوى من جاذبيَّةِ الأرضِ حيثُ استرَدَّتِ السماءُ ودائعَها وحلَّقَتِ الأرواحُ كفراشاتٍ تلوذ بالنورِّ الربانيِّ الأبديِّ.
عامٌ كألفِ عامٍ مِمَّا يَعدُّون، فيه عجافُ المواسم وبوارُ الحصاد، فيهِ قَدَّمْنَا أغلى وأجملَ وأرقى وأعزَّ ما نملِكُ بل قدَّمنا كلَّ ما نملكُ وقد جسَّدْنَا قولَ عزَّ من قال (لن تنالُوا البِرَّ حتَّى تُنفقوا مِمَّا تحبون) ورَجوْنَا قبولَهُ ونيلَ الرضوان. عامٌ ابتدأناهُ بِغرْسِ خِيرةِ أبنائنا وأنبَلِهِم وأشرفِهِم شهداءَ على طريق القدسِ وختمناهُ ونحنُ نبحثُ في الزوايا عن بقايا من الأشلاء ونُلمْلِمُ مِنْ بينِ الرُّكامِ كثيرًا من العمرِومزيدًا من الأحلام.
عامٌ غدَرَنَا على حين غرَّة عندما غادَرَنَا الدُّرةُ، مَنِ ارْتبطتْ باسمِهِ أمَّةٌ حُرَّة، مَنْ كانَ سببًا لكلِّ عزٍّ وبابًا مفتوحًا لكلِّ مَسَرَّة، مَنْ كانَ حارسَ الأعوامِ وشجرةَ ميلادِها، مَنْ كانَ جامعَ الحبِّ ومُنتهى اللُّطف، مَنْ كان ملاذَ الأمنِ ومُستودَعَ السَّكينة، مَنْ كانَ رجلًا في أمَّةٍ لا تكرِّرُهُ مئاتُ السنين إلا نادرًا، مَنْ بَلغَ مِنَّا مبلغَ الأرواحِ مِنَ الأنفس، شهيدُنا المقَّدَّسِ الأقدس سماحة السيد حسن نصرالله(رض) الذي كانَ غِيابُهُ كافيًا ليصبغَ هذا العام بالحزنِ والأسى وليتركَ ندوبًا في الأرواحِ وثُقوبًا في القلوبِ ويرسمَ على العيونِ كلَّ حَيرة ويصفعَ الوجوهَ بِلَهبِ الرَّحيلِ الَّذي لا يُطْفِئُهُ ما تبقى مِنْ أيامِ العُمر.
عامٌ تنقَّلَ الحزنُ فيه بين الأزقة والحارات وطرَقَ معظمَ أبوابِ البيوتات، وكسَّرَ أفئدةً وشتَّتَ شملًا وأيتَمَ عوائلَ. وألْقَتِ الحربُ بِأثقاِلِها على صدرِ الوطن الحبيبِ لُبنان فتجرَّعَ أبناؤهُ من كأسِ النزوحِ والتَّهجيرِ، والفقدِ والدَّمار،ِ والخوفِ والقلق وظلَّتْ قلوبُهُم مفعمةً بالرجاء وأبصارُهُم شاخصةً نحو السَّماء ويقينُهم أنَّ كلَّ جرحٍ جميلٌ في عينِ الله التي لا تنام، والَّذي لا يغادرُ كبيرةً أو صغيرةً ولا تضيعُ عنده التضحيات، وبَقِيَتِ المقاومةُ ثقةَ كلِّ مُحبٍّ وغيورٍ ومحطَّ آمالِهم فغسلَتْ بجهادِ أبنائها ودمِ شُهدائها وعذاباتِ جرحاها تعبَ الوجوهِ وضمَّدتْ جراحَ المقهورينَ والمُعَذبين.
وللسكسكيَّةِ القريةِ العامليَّةِ التي اتَّحَدَتْ مع أخواتها في الأحزان كان لها نصيبٌ من الفقدِ والوداع، وكانت على موعدٍ مع الشهادة والجراحات، وهي التي ودَّعَتْ خلال العام ٢٠٢٤ ثمانيةً وسبعين عزيزًا وعزيزةً من أبنائها (٣٠ رجلًا و٤٣ امرأةً و٥ أطفال)، ومن بين هؤلاء ثمانيةٌ وثلاثون شهيدًا وشهيدة (١٥ شهيدًا و١٩ شهيدةً و٤ شهداء أطفال)، منهم من قضى نحبَهُ في ساحاتِ الجهاد والوغى وأعارَ لله جُمجمَتَه ولقَّنَ العدوَ دروسًا في البطولة والبسالة وعادَ سعيدًا مُكلَّلًا بغارِ العز والانتصار، ومنهم من قضى إثرَ غارةٍ غادرةٍ حاقدة حيث ظنَّ أنَّهُ آمنٌ في بيته أو نزوحِه فقضى ولقيَ اللهَ مُخضبًا بدمِهِ شاهدًا على أبشع وحشيةٍ في تاريخ البشرية.
وكانت قد ودَّعَتْ بلدتُنا السكسكية في العام ٢٠٢٣ ثمانيةً وثلاثينَ (٣٨) مرحومًا ومرحومةً (٢٠ رجلًا، و١٧ امرأةً وطفلًا واحدًا) من أبنائها وأعزائها أي ما يُعادلُ عدد الشهداء فقط لهذا العام وبزيادة ٤٠ مرحومًا ومرحومةً عن العام ٢٠٢٣.
لهؤلاء الأعزاء الذين حفروا عميقًا في وجدان وذاكرة أهل السكسكية حقٌ علينا أن نستذكرَهم ونُردِّدَ أسماءَهم ونحفظَهم في أشفار العيون وقد دأبنا منذ عدة أعوام وفي نهايةِ كلِّ عام أن نستعيدَ شريط الذكريات مع مَن رحلوا وتركُوا لنا الصُّور والعِبَرَ وجميلَ الأثر.
ومع بداية هذا العام الجديد نسألُ اللهَ أنْ يمنَّ على بلدتِناووطنِنا لبنان بالخير والصحة والطمأنينة والسَّكِينة ولا نسألُهُ ردَّ القضاء إنَّما نسألُهُ اللُّطفَ فيه وأن يَرحَمَ كلَّ النفوسِ التي غادرَتْنا وأن يمنَّ عليها بالغفرانِ والرضوان وعلى ذويها بالصبر والسلوان وإلى أرواحهم وأرواح أمواتِ بلدتنا جميعًاوأروحِ جميع الشهداء نهدي السورةَ المباركة الفاتحة.
بقلم
الأستاذ درويش سبليني
الإحصاء:
إعداد الأستاذ أكرم سبليني
وهذا الجدول بأسماءَ المرحومين والشهداء في العام
2024