على أبواب ذكرى ميلاد السيد المسيح (ع) والسنة الجديدة، زار المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان د. عباس خامه يار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مقر البطريركية في بكركي مباركاً لغبطته ولكل الشعب اللبناني بالأعياد المجيدة، ومثنياً على جهوده ودوره الرعوي بالعمل على التعايش السلمي والوحدة الوطنية خاصة في هذه الظروف الصعبة.
وفي خلال حديثه، نوه د. خامه يار بالدور البارز والمحوري لمسيحيي الشرق الذي كان ولا يزال تصالحياً وودياً مع أخوانهم المسلمين وذلك من خلال أصالتهم وخدمة مفكريهم وأدبائهم للثقافة الإسلامية وللغة العربية وآدابها مثل جبران خليل جبران وسليمان كتاني وجورج جرداق وفيكتور الكك وبولس سلامة وغيرهم الكثير. وفي السياق، أوضح د. خامه يار أن المسيحيين في إيران هم مواطنون شركاء في المواطنة وأخوة في الإنسانية ولا يعاملون كأقلية بل لهم الحرية المطلقة ودرجة المواطنة الحقيقية، وذلك في إطار العيش السلمي بتشاركهم مع أخوانهم من باقي الشعب الإيراني بالسراء والضراء، على القاعدة التي وضعها الإمام علي (ع): الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، حيث تعد إيران من الدول الأكثر أمناً للأديان وللمسيحية بالذات تحت شعار إيران لكل الإيرانيين.
من خلال تأييده لكلام المستشار الثقافي حول العيش المشترك بين جميع الأديان والمذاهب، اعتبر الراعي هذا الكلام ذا أهمية كبيرة لأي كنيسة وأضاف “إن جميع أفراد الشعب اللبناني من المسيحيين والمسلمين يتمتعون بمكانة محترمة ومتساوية عندنا ويستحقون الإحترام والتقدير. برأيي إن أهمية السلم اللبناني عندي تفوق أهمية المسيحي الفرنسي، ونحن نطالب بتحسين أوضاع جميع أفراد الشعب اللبناني من مسيحيين ومسلمين”.
وقد عدد المستشار الثقافي لغبطته الكنائس المسيحية القائمة على الأراضي الإيرانية وهي أكثر من ثلاثمائة كنيسة ومنها التاريخية التي يزيد عمرها عن الألف سنة. كذلك نوه بوجود ممثلين حقيقيين عنهم في البرلمان الإيراني ولهم مطلق الحرية في مدارسهم وأنشطتهم الدينية وطقوسهم العبادية.
ثم تحدث د. خامه يار عن جامعة الأديان في مدينة قم المقدسة وهي مساحة أكاديمية علمية راقية للحوار البناء حيث تمت مناقشة ما يفوق ألف رسالة دكتوراه و إصدار خمسين عنوان كتاب عن المسيحية بالفارسية، وتناول في حديثه المؤتمرات التي تتحدث عن التنوع الديني والعيش الواحد بتسامح وتعاون مع وجود أهداف عدة، تتحدث عن الحوار بكل أبعاده. وفي هذا السياق، أضاف خامه يار “حضر الكاردينال – ايووزوكس – إلى طهران الشهر الماضي وهو كبير المجلس الإستشاري لقداسة البابا للمشاركة في الملتقى الحواري الحادي عشر. لذلك فالحوار الديني الذي قامت به إيران مع المسيحيين بمختلف مذاهبهم وأطيافهم كان منتجاً و مفيداً للغاية، وخاصة الحوار مع الفاتيكان على مدى العقود الثلاثة الماضية والذي تخللته زيارات متبادلة بين الإيرانيين وكبار الشخصيات المسيحية مثل المرحوم الكاردينال توران وغيره، ما أدى الى تفاهمات كبيرة و هامة. هنا أشار الكاردينال الراعي إلى أهمية المحافظة على تواجد المسيحيين و استقرارهم في بلدانهم عن طريق توفير فرص العمل لهم ليتسنى لهم البقاء في أرض أجدادهم، وأكّد “نحن نرغب باستقرار المسيحيين إلى جانب المسلمين في البلاد وليس فقط المسيحيين بل جميع أفراد الشعب اللبناني من مسلمين ومسيحيي وبقية الأديان والمذاهب الأخرى” مضيفاً “نحن نريد لبنان لجميع أهله ولا نريده دون المسلمين”.
ثم طرح د. خامه يار على غبطة البطريرك تطوير العلاقة بين إيران والكنيسة المارونية ومع كل أطياف الشعب اللبناني وتوسيع دائرة الحوار مع الصرح البطريركي على غرار ما هو قائم مع غبطة الكاردينال آرام كشيشيان وغيره من الأخوة المسيحيين والمسلمين اللبنانيين. ثم قدم لغبطته هدية رمزية من التراث الإيراني وكتاب بعنوان (المسيح في ليلة القدر) يشرح زيارات الإمام الخامنئي لعوائل الشهداء المسيحيين والآشوريين، إضافة إلى كتاب آخر بعنوان المسيحيين في إيران.
في ختام الزيارة وجه الدكتور خامه يار دعوة لغبطة البطريرك الراعي لزيارة إيران والإطلاع عن كثب على أوضاع المسيحيين فيها، ومما جاء في تصريحه من على منبر الصرح البطريركي: ايادينا ممدوة لكل الأطياف المكونة للمجتمع اللبناني لأن جمالية هذا المجتمع تتجلى في تعايشه السلمي.