الدكتور خضر ياسين
نتيجة لإستقالة الرئيس سعد الحريري بتاريخ ٢٠١٩/١٠/٢٩، سوف يحدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موعدآ لإجراء الإستشارات النيابية من أجل تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، مما يطرح مجموعة من القضايا الدستورية المرتبطة بهذا الموضوع أهمها:
أولآ: قبل العام ١٩٩٠ نصت المادة ٥٣ من الدستور على أن رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيسآ ويقيلهم.علمآ أن الممارسات الدستورية آنذاك جرت بشكل مغاير، حيث كان رئيس الجمهورية يكلف أولا إحدى الشخصيات السنية لتشكيل الحكومة، وعندما يضع الرئيس المكلف التشكيلة الحكومية ويوافق عليها رئيس الجمهورية، يصدر الأخير مرسومآ بتوقيعه منفردآ بتسمية رئيس الحكومة ومرسومآ آخر يشترك بالتوقيع معه رئيس الحكومة.ولم تتضمن المادة ٥٣ المذكورة أية إشارة الى مسألة الاستشارات النيابية مع النواب، ولذلك فإن رئيس الجمهورية كان يجريها (عرفآ)، ثم يعمد الرئيس المكلف الى اجراء استشارات نيابية جديدة لمعرفة آراء النواب حول شكل الحكومة المزمع تشكيلها.
ثانيآ: إن رئيس الجمهورية قبل التعديلات الدستورية لعام ١٩٩٠ كان يتمتع بحرية واسعة وسلطة استنسابية في تسمية رئيس الحكومة، أي انه لم يكن ملزمآ بنتيجة تلك الاستشارات، فلم يكن هناك أية قيمة قانونية الزامية لآراء النواب.ويوجد العديد من الحالات التي سمّى فيها رئيس الجمهورية رئيسآ مكلفآ غير الذي حصل على أكثرية الأصوات، نذكر منها في العام ١٩٦٦ تم تكليف الرئيس عبد الله اليافي بينما سمّت الأكثرية النيابية الرئيس رشيد كرامي، وفي العام ١٩٧٥ سمّت الاكثرية الرئيس صائب سلام بينما كلّف رئيس الجمهورية الرئيس رشيد كرامي.
ثالثآ: بعد اتفاق الطائف ونتيجة التعديلات الدستورية عام ١٩٩٠ تم وضع حد لسلطة رئيس الجمهورية الإستنسابية في تسمية الرئيس المكلف، حيث نصت المادة ٥٣ من الدستور على أن يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادآ الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميآ على نتائجها.
ان النص الجديد للمادة ٥٣ من الدستور بشأن عملية تشكيل الحكومة يختلف بشكل جوهري عن النص القديم حيث تضمن ما يلي:
١- تقنين العرف الذي كان سائدا فيما يخص إجراء الاستشارات النيابية، فهذه الاستشارات اصبح اجراؤها يتم بموجب النص الدستوري وليس عرفآ.
٢- إعطاء صلاحية دستورية لرئيس المجلس النيابي، فموجب النص الجديد للمادة ٥٣ يتوجب على رئيس الجمهورية إطلاع رئيس المجلس النيابي على نتيجة الاستشارات.
٣- الأهم هنا ان النص الجديد للمادة ٥٣ يفرض على رئيس الجمهورية اجراء استشارات نيابية ملزمة.وعبارة ملزمة الواردة تشير الى نتيجة الاستشارات وليس الى عملية اجراء الاستشارات فقط، وبالتالي عبارة ملزمة تتضمن الالزام لناحيتين، الأولى واجب اجراء هذه الاستشارات، والثانية واجب الالتزام بنتيجتها، فلم تعد هذه الاستشارات تجرى عرفا، كما ان رئيس الجمهورية ملزم بتسمية رئيسآ مكلفآ من سمته الأكثرية النيابية.
رابعآ: يطرح التساؤل حول هل يحق للنواب تفويض رئيس الجمهورية بأن يسمي هو شخصيآ من يريد رئيسآ مكلفآ؟
خلال الاستشارات النيابية الأولى في عهد الرئيس السابق إميل لحود، فوّضه عدد هام من النواب حرية اختيار من يريد رئيسا للحكومة، الأمر الذي أثار غضب الرئيس رفيق الحريري مما دفعه للاعتذار عن تشكيل الحكومة.هذا الموضوع لم يحصل خلال الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس لحود بعد الانتخابات النيابية عام ٢٠٠٠ حيث صرح آنذاك أن الاستشارات ستجري وفقآ للأصول الدستورية، وبالتالي ما نريد قوله أن تفويض رئيس الجمهورية بالتسمية خلال إجرائه للاستشارات مع النواب هو أمر غير جائز دستوريآ.
خامسآ: بعد تسمية رئيس الجمهورية للرئيس المكلف سوف يقوم الأخير باستشارات نيابية غير ملزمة من أجل معرفة آراء النواب حول شكل الحكومة وحجمها.وبعد أن يوافق رئيس الجمهورية على التشكيلة التي وضعها الرئيس المكلف يصدر مرسوم تشكيلها الذي يحتاج الى توقيعيهما.ولكن السؤال المطروح ماذا لو لم يوافق رئيس الجمهورية على هذه التشكيلة؟ في هذه الحالة على رئيس الحكومة المكلف ان يستمر بجهوده الى ان يتمكن من وضع تشكيلة حكومية تحظى برضا الرئيسين، أما اذا استمر الخلاف بين الرئيسين حول الموضوع، فهنا يمكن للرئيس المكلف الاعتذار عن التأليف وترك المسألة للمجلس النيابي الذي يحسمها من خلال الاستشارات النيابية الجديدة التي سوف تحصل، لأن المادة ٥٣ من الدستور لم تنزع من رئيس الجمهورية صلاحية المشاركة في تأليف الحكومة، فالتأليف يحتاج الى توافق تام بين الرئيسين.فهل حصلت حالات اعتذار عن التأليف في لبنان؟ نجيب بالايجاب، ففي العام ١٩٧٤ حصلت اول حالة عندما اعتذر الرئيس صائب سلام عن تأليف الحكومة لاختلافه مع رئيس الجمهورية، كذلك بعد الطائف وخلال عهد الرئيس لحود أعلن الرئيس رفيق الحريري عدم رغبته في تأليف الحكومة.
سادسآ: إحدى الثغرات التي يحتويها الدستور عدم تحديد سقف زمني للرئيس المكلف من أجل تشكيل الحكومة.فالمهلة الزمنية الوحيدة المعطاة للحكومة فيما يخص عملية التأليف هي المتعلقة بعرض بيانها الوزاري أمام المجلس النيابي خلال ٣٠ يومآ للحصول على ثقته وإلاّ تعتبر مستقيلة.وبالتالي لم يلزم الدستور رئيس الحكومة المكلف بمهلة محددة لتشكيل حكومته ولا يمكن لاحد إجباره دستوريآ على الاعتذار في حال تعثر تشكيله للحكومة، فالموضوع قد يستمر لعدة أشهر وخير مثال على ذلك حكومة الرئيس سعد الحريري الاخيرة التي تقدم باستقالتها، التي صدر مرسوم تشكيلها بتاريخ ٢٠١٩/١/٣١، أي بعد مرور ٩ أشهر على تكليفه، وبالتالي كلما تأخرت عملية تأليف الحكومة كلما طالت مدة تصريف الأعمال، لأن الحكومة السابقة للحكومة التي يتم تشكيلها من قبل الرئيس المكلف تكون حكومة تصريف أعمال، وهذه الحكومة لا يحق لها ان تمارس كامل صلاحيات الحكومة العادية، بل يحق لها فقط القيام بالاعمال الادارية اليومية التي يعود للسلطة الادارية المختصة اتمامها.وهذا أمر من شأنه أن ينعكس على الانتظام العام لعمل المؤسسات الدستورية في لبنان.