كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: تأخر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في إطلالته التلفزيونية لمخاطبة الشعب اللبناني، فبعد ثمانية أيام من الثورة التي تتفاعل وتكبر تباعا على كل مساحة الوطن، لم يعد الحديث السياسي التقليدي أو رمي المسؤوليات يقنع المحتجين الذين تجاوزوا بثورتهم كل الخطابات وكل الطبقة السياسية الحاكمة.
كما كان متوقعا فإن كلام رئيس الجمهورية أدى الى مزيد من الاستفزاز في صفوف أبناء الثورة الذين إزدادت أعدادهم في الساحات وأصروا على إسقاط النظام ورحيل الحكومة، خصوصا أن الكلمة المتلفزة تبين أنها كانت مسجلة مسبقا، وخاضعة لكثير من المونتاج، فجاءت رسمية أكثر من اللازم ولم يتمكن رئيس البلاد من التحدث مباشرة مع الناس، ومن ملامسة شعور شعبه الذي إحتاج الى كثير من الجهد لتفسير مضمون الخطاب الرئاسي.
دا الرئيس عون مأخوذا بمشهد الثورة، فالرجل الذي عاش ثلاثين عاما يسمع الهتاف بحياته، عندما ينادي يا شعب لبنان العظيم، ويصرخ ويأمر ويخرج عن طوره ثم يجد السمع والطاعة، وصولا الى قيام شريحة من اللبنانيين الى إضاءة الشموع على نيته ووضع صوره مع صور القديسين، وجد نفسه ولأول مرة أنه يخاطب شعبا لا يريده، وغير مقتنع بما يقول، ويدعو الى إسقاط عهده مع الحكومة ومع كل الطبقة السياسية الحاكمة، ما أدى ربما الى كل هذا الارتباك الذي دفع بدائرة الاعلام في القصر الجمهوري الى تسجيل الكلمة الرئاسية على مراحل، وتلافي قيام الرئيس بمخاطبة الشعب اللبناني بشكل مباشر خشية صدور كلام عنه يضاعف من حجم الأزمة والاحتجاجات.
بعض الساحات الثائرة هتفت بعد إطلالة رئيس الجمهورية: “الشعب يريد تفسير الخطاب” في إشارة الى أن كثيرا من المحتجين لم يدركوا ما أراد عون قوله أو الفكرة التي أراد إيصالها، حيث رأى البعض أنه في “المضمون رمى المسؤولية على إتفاق الطائف ومجلس النواب والحكومة، ثم نفى ذلك في الشكل، وقال إنه حارب الفساد، فيما الفساد الذي يتوحش كان سببا رئيسيا في إنفجار الثورة”، كما أكد محاربته للطائفية، بينما ما يزال آلاف الناجحين ينتظرون قرارات تعيينهم في وظائفهم والتي لم يصر الى توقيعها بحجة التوازن الطائفي.
في حين لفت البعض الآخر الى أن رئيس الجمهورية بدل أن يقدم الحلول للبنانيين الغاضبين وأن يثلج صدورهم، شكا لهم العراقيل الكثيرة التي تحول دون الوصول الى التغيير والاصلاح، ما يعني أن المنطق الذي كان سائدا لم يتغير، وأن السلطة بكاملها ما تزال تعيش في كوكب آخر، ولم تستوعب بعد أن ما يجري في الشارع ثورة حقيقية من أبرز مطالبها الاطاحة بها.
العبارة الوحيدة في كلام عون والتي يمكن البناء عليها في الوقت الراهن هي قوله: “لقد بات من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي”، الأمر الذي يفتح الباب على إثنين من الحلول، فإما أن يصار الى تعديل وزاري كبير، أو إستقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ من إختصاصيين على وجه السرعة، لكن ذلك يطرح سؤالا محوريا هو: هل يعي رئيس الجمهورية أن أي تعديل أو تشكيل لا يطيح بصهره جبران باسيل وغيره من الوزراء المستفزين لن يرضي المحتجين ولن يخرجهم من الشارع؟، فهل يضحي فخامته بجبران؟.. الجواب هذه المرة سيأتي من الشارع!..