ايناس كريمة-لبنان24
|20-03-2020
قاطعني رنين الهاتف المتواصل عن ممارسة احدى مواهبي التي اكتشفتها مؤخراً في فترة العزل المنزلي للحماية من ڤيروس “كورونا”، وهي صنع الحلويات في المطبخ الذي أكاد لا أدخله في يومي الطويل الا لأحضّر وجبة الغداء. وإذ بأحد الجيران الذين يسكنون في الشارع المقابل لمنزلي، يحاول التقاط انفاسه قبل ان يقول “ابني تعرّض للتحرش.. اخبريني ماذا افعل”.
صمتُّ بضع ثوانٍ من هول الصدمة، فلم أكن أدري ماذا أقول لأب تعرض ولده ابن الخمس سنوات للتحرّش، ثم أجبت بحزم: “روح فورا تشكّى”، فقاطعني الرجل النازح من بلاده خلال الأزمة السورية، والمقيم في لبنان منذ سنوات، والذي لم يحصل ابدا ان اضطر الى دخول “مخفر”، حيث يشهد الجميع بأخلاقه والتزامه الديني، وبدأ بسرد تفاصيل ما حدث والدمعة تكاد تفرّ من صوته، فكل بعيد عن وطنه غريب!
روى لي “م-ش” أن صغيره كان بصحبة اخواته قادمين من “الدكان” فتوقفت البنتان قليلا لتلقيا التحية على احدى بنات الجيران، وتابع الطفل السير في ما يسمى “المشروع” حيث يشعر معظم السكان بالأمان لأن اولادهم بعيدون عن الشارع العام فلا سيارات مسرعة ولا وجوه غير معروفة. حينها عمد فتى في سن الحادية عشرة تقريبا مستغلا ملازمة الناس بيوتها في فترة “العزل” والشارع خالٍ تماما من المارّة، على ادخاله الى المبنى وقام بخلع سرواله في محاولة للتحرش بالبريء، في الوقت الذي كان صديقه الذي يرافقه يحمل قطّة بيده، يهدّد بها المغلوب على أمره وكلما تمنّع قرّبها من وجهه لتخربشه بمخالبها.
دقائق من الرعب عاشها الصغير لم يستطع معها أن ينطق بحرف، واكتفى بذرف الدموع توسلا كي يُبعد هذين الوحشين عنه، اللذين ما ان سمعا صوت أختيه غادرا المبنى وكأن شيئاً لم يكن.
في هذه الاثناء كان الدم بدأ يغلي في عروقي، وودت لو ألمح الصبيّين وأبرحهما ضربا حتى أشفي جرح الغريب الذي شعر أن لا مكان له في هذا الوطن حيث أن ضعفه، بحُكم نازح ربما، لن يمكّنه من الأخذ بالثأر قانونيا.
وبعدما أصرّيت عليه للتوجه الى المخفر للإدلاء بإفادته، ذهب الرجل مُطأطأ الرأس وعرق القهر يلمع على جبينه، ثم هاتفني مجددا ليقول “مشي الحال” فسألته: هل تم الاتصال بطبيب شرعي؟ اجاب نعم، وقام بفحص ابني وطمأنني ان لا احتكاكا حاصلا وأثبت في تقريره الجروح على وجهه، ثم عاودت السؤال: هل حضرت مندوبة الاحداث؟ أجاب: لا، قال المحقق بأنها مشغولة! مشغولة؟؟!
في اليوم التالي، تمّ استدعاء ولي امر كل من الصبيّين الى المخفر بحضور ابنيهما، واللذين حضرا في اليوم السابق الى منزل والد الضحية ليفاوضاه على سحب الشكوى والتنازل عن حقه وحق ابنه متعّهّدين بألا يقترب ولداهما منه مجددا! وهذا ما حصل فعلا! يقول والد الصغير “ما بدي مشاكل مع حدا، اذ اخبرونا في المخفر أن الصبيان إذا تمّ ادخالهم الى اصلاحية، يخرجون منها اكثر شراسة مع رغبة عارمة للانتقام بفعل القسوة التي يتعرضون لها هناك، فخفت على صغيري، وخفت على مستقبلهم وتنازلت”!
لم يرُقني ما قام به “م-ش”، واستشطت غضبا ورحت ألومه على انانيته، حيث أنه، ومن وجهة نظري، إن نجا ابنه هذه المرة، من يضمن أن ينجو مرة اخرى؟ وبعدما تمالكت نفسي وهدأت قليلا، عدت لأرسل له رسالة صوتية عبر تطبيق “واتساب” قلت فيها “الحمد الله على سلامة ابنك، ولكنني لن اسكت ابدا رأفة بأطفال آخرين قد يقعون ضحية شذوذ الوحوش البشرية وامراضهم النفسية” ترى ألم يكن يفترض على مندوبة الاحداث في هذه الحالة ان تقوم بحكم واجبها بفتح ملفّ حماية، والا يقتصر الأمر على أن يسقط الحق الشخصي دون النظر بالحق العام؟ اما كان يجب ان يصار الى وضع الولدين المعتديين تحت المراقبة القضائية لحين صدور قرار عن لجنة طبية، بتكليف من قاضية الاحداث، يفيد بأنهما لم يعودا يشكلان خطرا على المجتمع؟ حيث أن من يرتكب هذا الفعل قد يكرره مرة واثنتين وعشرة؟ ولا سيما أن الجرم المرتكب يعتبر جناية وليس جنحة، وبالتالي لا يسقط الحق العام مع سقوط حق المدّعي؟
الغريب في الامر انه تم ختم المحضر مع العلم ان المطلع على القانون يدرك جيدا انه لا يجوز اقفال الملف بل متابعة السير به لاحقاق الحق العام!
هل حقا ليس للنازح حقوقا خارج بلاده؟ حيث يصار الى “لملمة” كل ما يتعرض له من عنف واذى؟ هل نعيش في كنف دولة تحترم حقوق الانسان بصرف النظر عن جنسيته؟ هل يُنظر بقضايا التحرش الجنسي فعلا سواء بالقصّر او البالغين؟ ام ان كل ما نشاهده من برامج تُعنى بهذا الشأن مجرّد “فرد عضلات وتهبيط حيطان” لزوم ما يلزم من ڤيروس “الترند”؟؟