باقلامكم

زينب كحلون: رحلا سويًّا كما عاشا…

رحلا سويًّا كما عاشا…
في زبدين، لم يكن صباح اليوم عاديًّا. كانت الشمس تشرق على بلدةٍ حزينةٍ لم تعلم أن هذا الضوء سيحمل في طيّاته فراقًا موجعًا. خرج الأولاد إلى مدارسهم ككلّ يوم، ودّعوا أمّهم وأباهم على عتبة البيت، ولم يدركوا أن تلك القبلة على الجبين كانت الوداع الأخير. عادوا بعد ساعاتٍ ليجدوا أن البيت الذي كان يحتضنهم قد صار صامتًا، وأن الأبوين اللذين ملآه دفئًا رحلا معًا… كما عاشا معًا.

حسن عطوي، الشاب الذي فقد بصره في انفجار “البيجر”، لم يفقد يومًا بصيرته نحو النور. كان يرى بقلبه، ويمشي بثقة من يعرف أن العتمة لا تُخيف من يملك إيمانًا راسخًا. إلى جانبه كانت زينب، رفيقة دربه، نصفه الآخر، وعينه التي لم تُغِب عنه يومًا. كانت له القوة حين يضعف، والسكينة حين يضطرب، والضوء حين يشتدّ الظلام. عاشت معه وجعه، وداوت صمته بحبّها وصبرها، وحملت عنه ما لا يُحتمل بوجهٍ يبتسم للحياة رغم كلّ شيء.

صباح اليوم، اجتمعا على قدرٍ واحد… غارة غادرة مزّقت البيت، لكنها لم تستطع أن تفرّق بين قلبين تماهيا حتى صار الفقد بينهما مستحيلًا. سقطا سويًّا، ويده فوق يدها كما اعتادا دائمًا، وكأنهما اختارا الرحيل بهذه الهيئة… واحدًا لا اثنين.

في زبدين، لم ينطفئ بيتٌ فقط، بل انطفأ فصلٌ من الحنان والوفاء. وجعٌ عميق تركه رحيلهما في كلّ زاوية، في كلّ من عرفهما، في كلّ طفلٍ سيسأل الليلة: “وين ماما؟ وين بابا؟” ولا يملك أحد جوابًا سوى الدمع.

زينب التي وقفت إلى جانب حسن حين فقد بصره، رفضت أن تتركه حين فقدا الحياة. وحسن الذي كان يراها بعين قلبه، أصرّ أن يكون معها حتى النهاية. هناك، تحت الركام، كانت الحكاية الأجمل تُختَم بأبهى شكلٍ من أشكال الوفاء… بالشهادة.

رحلا سويًّا كما عاشا… وبين أيديهما تتشابك حكاية حبٍّ نادرة، من الطين والوجع والضوء. حكاية تقول إن العمى لم يكن ظلامًا، بل بصيرةً إلى الجنة. وإن الحبّ الذي يُروى بالدمّ لا يموت أبدًا.

بلال مشلب

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة