كتب رضوان عقيل:
لم تفض الاتصالات في الايام الاخيرة بين القوى السياسية الى حصيلة إيجابية يعول عليها في اقتراب موعد ولادة الحكومة. ولم يتم انتزاع الموقف النهائي من الرئيس سعد الحريري عما إذا كان سيحمل كرة نار التأليف والسير بمجلس وزراء تنتظره جملة من الملفات والخلافات بين سائر القوى. وأضيفت هذه المرة مطالب الشارع والمتظاهرين، ولا سيما أن مجموعات لا بأس بها من قيادة الحراك أخذت تتصرف كأن لا سلطات موجودة، وان كلمة الحسم يجب أن تكون للشارع بعد سيطرة الحراك على الساحات وتصدره الواجهة الاعلامية والشاشات. ولم تثمر بعد كل اللقاءات التي يقوم بها “الثنائي الشيعي” مع الحريري في فتح كوة في جدار الرفض والفيتوات المتبادلة من هنا وهناك. ولا بد من الاشارة اولاً الى انه ليس صحيحاً القول ان الرجل لا يريد رئاسة الحكومة مطلقاً، لكنه يعمل على فرض شروطه وفي مقدمها استبعاد الحزبيين عن التشكيلة الوزارية. ويرفض الاقتراحات التي يقدمها “حزب الله” و”أمل” الى “التيار الوطني الحر”، وهم لا يعترضون على التكنوقراط، لكنهم يعملون على ان يكونوا من صبغة حزبية، وليس ضروريا ان يكونوا من القياديين او الصف الاول في أحزابهم. ويسمع الحريري من المعترضين على رؤيته للتوزير في الحكومة المقبلة ان ما يعمل عليه – بدعم من الشارع – هو ضرب لنتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وعدم الاكتراث للمؤسسات الدستورية، بل مصادرتها، وفي مقدمها مجلس النواب. وان عرقلة هذه المؤسسة “ضرب للطائف”.
ويردد اصحاب هذا الرأي: “اذا اعترض 200 ألف من المواطنين على سياسة الاحزاب، فإن مليوني مواطن قد احتكموا الى صناديق الاقتراع، وفي إمكان هؤلاء النزول الى الشوارع والسيطرة عليها. المسألة ليست بهذه البساطة التي يصورها الحريري. وكان قد سمع هذا الكلام. وهو لم يدل أمام الوزير علي حسن خليل والقيادي في “حزب الله” حسين الخليل في جواب حاسم، ولم يحدد وقتاً في هذا الخصوص. وسبق له أن أبلغ المتصلين به: “اعطوني فرصة 24 ساعة”، انتهت في عطلة نهاية الاسبوع.
وفي معلومات لـ”النهار” ان الخليلين قدما جملة من التسهيلات لمهمة الحريري ليقبل برئاسة الحكومة، ولا يخالفهما “التيار الوطني الحر” في الطرح الذي تقدما به و”اعطيناه كل شيء”، ويقوم الطرح على تقديم تسهيلات عدة، وإعطاء الحريري حق وضع الفيتو على اي اسم من التكنوقراط تقدمه الاحزاب، شرط ان يتمثل كل فريق منها بسياسي واحد، ولا مانع هنا في أن يكون من دون حقيبة. وعلى الرغم من كل هذه التسهيلات، لم يوح الحريري بأي اشارة ايجابية تفيد انه سيقبل بتولي ادارة الحكومة.
ويردد قيادي في 8 آذار في معرض تعليقه على الاتصالات المواكبة للتأليف تزامناً مع حركة الشارع: “مهلاً، نحن لا نقلل من حجم التظاهرات وما يحدث على الارض، لكننا لسنا مهزومين. لدينا كل الاطمئنان الى حجم تمثيلنا عند جماهيرنا. وما يهمنا هو الخروج من هذه الازمة. ولا مانع من السير بجملة من الاصلاحات التي ينادي بها الحراك في الشارع”. وتعتقد جهات مواكبة أن التمسك بالحريري كخيار لرئيس الحكومة ينبع من المصلحة الوطنية للبلد، إضافة الى التوقف عند موقعه لدى السنة والعمل على عدم توتير العلاقة، لكن من غير المنطق ان تولد الحكومة وفق شروطه فقط.
ويبقى أن الرئيس نبيه بري يصر على بقاء الحريري على رأس الحكومة. وسمع سياسي من رئيس المجلس ما مفاده: “إذا بقي سعد على موقفه ورفض تسلم الحكومة، فسأكون على عداء معه الى الأبد. المصلحة تقتضي تعاوننا جميعنا للخروج من هذه الأزمة”. ويضيف: “قدمنا له لبن العصفور”. وفي حال قرر الحريري عدم الخوض في غمار التأليف، يبقى أمام بري حل قد يتجسد في بهية الحريري.
وبعد تباعد مساحة الخيارات بين أكثر القوى السياسية حيال تشكيل الحكومة وتحت ضغط الشارع وتظاهراته، توصل كثيرون من السياسيين الى اقتناعات ان المسألة لم تعد داخلية مئة في المئة بعد التعثر الحاصل في التسمية والاستشارات والتأليف، والعامل الخارجي هو الأقوى، ولا يكف البعض هنا عن القول ان سياسة الحريري في معرض فرض شروطه على شكل الحكومة تؤكد أنه ينتظر إشارة الخارج.