المفتي عبدالله: نحن بحاجة الى رؤية موحدة ونقطة التقاء من أجل استنهاض هذا الوطن
لمناسبة رحيل آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (قده)، أقامت حركة أمل حفلاً تأبينياً عن روحه الطاهرة في مركز باسل الأسد الثقافي في صور، بحضور عائلة الفقيد، مفتي صور وجبل عامل المسؤول الثقافي المركزي لحركة أمل القاضي الشيخ حسن عبدالله، مطران صور للموارنة شكرالله نبيل الحاج، ممثل المطران الياس كفوري الأب نقولا باصيل، ممثل مفتي صور ومنطقتها الشيخ عصام كساب، ممثل مكتب المرجع آية الله الشيخ بشير النجفي الشيخ علي بحسون، عضوي المكتب السياسي في حركة أمل عباس عباس ومحمد غزال، المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل علي إسماعيل وأعضاء قيادة الإقليم، رئيس المنطقة التربوية في الجنوب باسم عباس، رئيس دائرة التعليم الرسمي في وزارة التربية هادي زلزلي، ممثلي الحوزات العلمية في الجنوب، حشد من العلماء والوجوه العلمية، رؤساء مجالس بلدية ومخاتير وفعاليات إجتماعية ونقابية وتربوية وحشود غفيرة.
بعد تقديم من المسؤول الإعلامي لإقليم جبل عامل في حركة أمل علوان شرف الدين، كانت كلمة للقاضي الشيخ حسن عبد الله تحدّث فيها عن الراحل السيد مرتضى الذي شكّل عنواناً من عناوين علماء جبل عامل، قائلاً: “هذا الجبل شكل نموذجاً في المدرسة الايمانية المنتسبة الى أهل البيت، وشكل رؤية تعيش في عمق التاريخ والزمن لسلسلة مباركة لعلماء أجلاء بذلوا قصارى جهدهم من أجل حفظ هذه الشريعة وكانوا نواة لرؤية حقيقية بعيدة عن العصبية والتعصب مجردة عن الأهواء والرغبات، استطاع هؤلاء العلماء من خلال دورهم البارز الوصول الى أعلى الدرجات ليشكل منهم شهداء ويكونوا نموذجاً يحتذى به في المدرسة الدينية في النجف الأشرف وقم المقدسة، وقد مرّ عليهم الزمن فاعتقد البعض أن هذه النخبة غابت، ليعود المقدس السيد جعفر مرتضى ويؤكد أن هذه السلسلة لم تنقطع ولا زالت مستمرة الى يومنا هذا لما له من دور بناء وعمل دؤوب في الحفاظ على الشريعة وحفظ التاريخ والعقيدة”.
وتابع: “يتوهم البعض أن التاريخ العلمي لجبل عامل انقضى منذ برهة من الزمن فيأتي دور العلامة مرتضى ليضيء في زمننا المعاصر على نخبة علمائية متميزة في حوزتنا العلمية ويشكل عنوانها الأبرز في الزمن المعاصر وأيامنا المعاصرة، فهذه الحوزة العلمية لا زال يتخرج منها كوكبة من علمائنا الأفاضل في جبل عامل ليكونوا أيضاً نواة لدور علمائي متميز في الأيام القادمة ويمكن أن تعقد عليهم الآمال في كثير من المسائل، وقد كان الراحل مرتضى حلقة وصل بين الآباء والأجداد والجيل المعاصر، خرّج نخباً ورجالات وشكّل رؤية لمسار يمكن أن يعتمده الكثيرون في الدفاع عن العقيدة تارة وفي الحفظ التاريخي المقدس تارة أخرى”.
وقال: ” إن أول انتصار الثبات على العقيدة هو انتصار على الذات واخراج حب الأنا من أنفسنا، فما تعانيه الرسالات بشكل عام هو الخروج عن ثبات العقيدة ودخول بعض المشككين المنطوين تحت هذه الرسالة، لذلك إن لم تنقي هذه الرسالات نفسها سيكون لبعض المشككين رؤية تشكل خطراً بنيوياً على العقيدة والرسالة، وقد كان المقدس السيد جعفر مرتضى وبكل وضوح مدافعاً عن عقيدة أهل البيت وكانت له رسالات وكتب تؤكد بأنه يشكل مساراً لحماة العقيدة، نتعلم منه بأن نثبت في مواجهة التحديات أمام المشككين والمنحرفين”.
وتابع: “أما التاريخ في زمن مر لا يمكن أن يكون نقطة من نقاط خلاف بين الناس بل يجب أن ننظر له كعبرة نستفيد من خبراته، فالراحل أضاء على حقبة زمنية تاريخية ووجه إليها بطريقة لا تدعو الى العنف والصراع بل التبصر في التاريخ والزمن، هذا التبصر مسؤولية كل فرد منا لكي نراعي بين الفتنة وإصلاح ذات البين، نحن مدعوون جميعاً أن لا ندخل في فتنة ونحن كنا ولا زلنا نؤمن أننا لن نكون فتنة ولن ندخل فيها ولن نسمح لأحد بأن يأخذنا اليها، نحن نريد تاريخاً خالياً من التشوهات وتوجيه المجتمع الى صراعات داخلية وخارجية، نريد أن نقرأ التاريخ كما هو بعيداً عن الإصطفاف لجهة دون أخرى، لذا هذا التاريخ الذي يكتب اليوم هو مسؤولية الإعلام الذين يؤرخون التاريخ، عليهم أن يؤدوا دورهم بمهنية لا تؤدي الى فتنة وتوصيف الأشياء كما هي كي لا نجعل التاريخ المعاصر أداة لفرقة المجتمع الداخلي، المطلوب قراءة تامة لا يغيب عنها أي جزء قد يغير الحقائق وهو ما نعانيه اليوم من بعض وسائل الإعلام التي تؤدي الفتنة والتباعد داخل المجتمع الواحد”.
وفي المجتمع اللبناني قال: “نحن بحاجة الى رؤية موحدة ونقطة التقاء من أجل استنهاض هذا الوطن وبناء مجتمع قوي بعيد عن التشوهات والضعف أمام أي من التحديات، فلبنان بتنوعه الطائفي والمذهبي يشكل نموذجاً استثنائياً في المنطقة والعالم، وإن ما نشهده اليوم من خلال بعض الأحداث لا يعني أن نغمض العين عن بعض المجريات”، ويرى في الختام ضرورة اليقظة من أجل الحفاظ على السلم الأهلي.
ثم كانت كلمة لشقيق الراحل العلامة السيد مرتضى مرتضى شكر فيها كل من واساهم في اللحظات الصعبة التي فقدت فيها الأمة الاسلامية علماً شاسعاً، كما شكر الرئيس نبيه بري على متابعة الراحل أثناء مرضه وبعد وفاته.
وتوجه الى الراحل ببعض العبارات الوجدانية مؤكداً أنه سيبقى منارة يستضيء بنورها طلاب العلم والمعرفة وأرباب البحث والتحقيق، وقال: كان الفقيد فقيهاً درّس الفقه الاستدلالي وألّف فيه وهو لم يعرف كثيراًن واستحدث أبواباً من الفقه لم يتحدث فيها العلماء من قبله بالتفصيل، كتب في شؤون الحرب والاسلام وخسائر الحرب وتعويضاته كما كتب في موضعات كثيرة وعشرات الكتب الأخرى التي لم يتعرض لها الفقهاء ربما لعدم الحاجة لها في ذلك الزمن، وكان مؤرخاً على طريقة نقد الكتب التاريخية وتصويبها ومحاكمة ما جاء فيها، وترك للباحثين من بعده مهمة استخلاص الحقائق التاريخية وإعادة سرد وقائعها ليقرأها كل الناس وترك لنا أكثر من 150 مجلد في السيرة والتاريخ، كان أكبر همه أن يعمل على تنقية عقائد الناس مما قد يشوبهما من اعتقادات باطلة وآراء منحرفة فانصرف الى التأليف في مختلف المسائل العقائدية وردّ على الشبهات وأجاب على أسئلة المتحيرين وترك لنا موسوعة كبيرة من الكتب العقائدية منها مختصر مفيد والذي يزيد عن 20 مجلد.
وختم: “لقد كان الراحل مدرسة جديدة في البحث والتقصي والتحقيق فترك للأمة إرثاً عظيماً وللمحققين والباحثين تركة ثقيلة ومهمة شاقة”.
وفي الختام كان مجلس عزاء للخطيب الحسيني السيد نصرات قشاقش.