ما هو الوضع القانوني الحالي للحكومة بعد الإستقالة؟
الدكتور خضر ياسين
أعلن الرئيس سعد الحريري منذ لحظات إستقالة الحكومة متوجهآ الى القصر الجمهوري كي يسلمها خطيآ إلى فخامة الرئيس ميشال عون.ووفقاً للمادة 69 من الدستور تكون الحكومة مستقيلة عندما يتقدم رئيسها بالاستقالة كما حدث حالياً مع الرئيس سعد الحريري . وتكون الحكومة معتبرة مستقيلة في الحالات التالية : اذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلهاء عند بدء ولاية رئيس جمهورية جديد عند بدء ولاية مجلس نيابي جديد بوفاة رئيسها عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه او بناء على طرحها الثقة بنفسها . ففي هذه الحالات تسمى الحكومة ( حكومة تصريف أعمال ) حيث أنها لا تمارس عملها وصلاحياتها الأ بالمفهوم الضيق لتصريف الأعمال . وفي هذا السياق نبدي ما يلي :
أولاً : يتبادر التساؤل حول هل أن رئيس الجمهورية ملزم بقبول الإستقالة أم أنه يستطيع رفضها؟ في الواقع لم تتطرق المادة ٦٩ من الدستور الى قبول رئيس الجمهورية لإستقالة رئيس الحكومة مما يوحي أن أمامه عدة خيارات، حيث يمكنه قبولها، او التريث قليلا بشأن قبولها ريثما يتم التناقش بالموضوع مع رئيس الحكومة، ولكن عليه قبولها في حال أصر رئيس الحكومة على الإستقالة.
كما أنه لم يحدد الدستور طريقة معينة لتقديم رئيس الحكومة الاستقالة حيث تتخذ هذه الاستقالة شكلا شفهيا كالإعلان عن طريق وسائل الاعلام، مثال على ذلك أنه في العام 1987 أعلن الرئيس الشهيد رشيد كرامي إستقالة حكومته من دون أن يتقدم بكتاب خطي للإستقالة، او خطيآ بموجب كتاب يقدم الى رئيس الجمهورية .
ثانياً : إن الذي ينهي الوجود القانوني والمادي للحكومة الحالية هو صدور مرسوم قبول استقالتها عن رئيس الجمهورية، ويوقع عليه منفرداً . فالعبرة ليست لتاريخ اعلان الاستقالة أو تقديم كتاب الاستقالة فالتعامل الدستوري استقر على ان يكلف رئيس الجمهورية الحكومة المستقيلة بالبقاء في عملها والقيام بتصريف الأعمال إلى حين صدور مرسوم قبول الاستقالة .
ثالثاً : أن استقالة الحكومة الحالية تستتبع القيام بإجراءات تشكيل حكومة جديدة وهي : اجراء رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد مكلف بتشكيل حكومة جديدة، قيام رئيس الحكومة المكلف باجراء استشارات نيابية وغير نيابية لتشكيل الحكومة الجديدة، اعداد البيان الوزاري للحكومة وعرضه أمام المجلس خلال 30 يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها لنيل الثقة من قبل المجلس. رابعاً : أن صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة الحالية وصدور مرسوم تسمية رئيس الحكومة الجديد يوقع عليهما فقط رئيس الجمهورية ، أما مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة يوقع عليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجديد ، وعادة تصدر هذه المراسيم دفعة واحدة ومع بعضها البعض .
خامساً : يحق للمجلس النيابي الحالي أن يشرّع ويقر القوانين ويمارس صلاحياته التشريعية حتى ولو كانت الحكومة مستقيلة . فقد جاء في المادة ٦٩ من الدستور ما يلي: عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكما في دورة إنعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.وطالما أن المجلس منعقدا في هذه الحالة فإنه يحق له أن يشرّع لأنه لا يوجد في هذا النص ما يشير الى خلاف ذلك.والا لو أراد الدستور منع المجلس من ممارسة التشريع أثناء وجود الحكومة مستقيلة لكان نص بشكل صريح على هذا الأمر كما فعل في المادة ٧٥ منه التي نصت على أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر .
سادساً : اعتبر الدستور الحكومة المستقيلة بأنها حكومة تصريف أعمال . لكنه لم يتضمن تحديداً لمفهوم تصريف الأعمال . ولذلك يجب التمييز بين الأعمال العادية والاعمال التصرفية . فالاعمال التصرفية لا يجوز للحكومة المستقيلة القيام بها . وهي الأعمال التي ترتبط بسياسة الدولة العليا والمواضيع المصيرية الحساسة ، كعقد الاتفاقيات الدولية وعقد القروض وصرف اعتمادات هامة واقرار خطط انمائية شاملة وطويلة الأمد وغيرها . . . . أما الاعمال الادارية العادية تعني تسيير الامور اليومية والروتينية التي لا يمكن تجميدها طيلة فترة استقالة الحكومة، والتي لا تقيد الحكومة الجديدة اللاحقة.
سابعاً : أن حالة تصريف الأعمال ترتبط اساسا بفكرة ومبدأ عدم جواز حصول فراغ في المؤسسات الدستورية وفي العمل المؤسساتي ، ولذلك يحق للحكومة الحالية المستقيلة أن تجتمع كلما دعت الحاجة الى ذلك ، فاستقالة الحكومة لا يعني ابدا استقالة الادارة عن متابعة اعمالها ومهامها التي لا بد منها لاستمرارية المرفق العام .