الفوضى تلوح في الأفق

الفوضى تلوح في الأفق

السبت 26 تشرين الأول 2019

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

صحيحٌ، ما قاله أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله في أنّنا أمام مشهدِ إستغلالٍ صريحٍ للتظاهرات التي خَرَجَت بفعلِ البُطون الخاوية. هذا الكلام، بات في متناول المعنيين منذ أيام، وقد تشاركنا في التحذير منه. لكن المشكلة تكمُن في أنه وبظلّ استدعاءِ الفوضى يصبح الكلام خاليًا من المفاعيل، ووسط تعالي الضجيج يختار البعض اللجوء إلى تفعيل “منطق التجاهل”.

وكما أنّه من الخطأ مشاهدة خروج التظاهرات عن السيطرةِ وعدم إجراءِ هندسةٍ لتصويبها، كذلك لا تصحّ المعالجة من خلال استجداءِ الصراخ، فالصراخ مقابل الصراخ أو إستخدام قوة العضلات، لا يؤسسان بالمطلق إلى وعي، أو يُعاد من خلالهما تصويب البوصلة، بل إنهما تصرفان يرتبان اشياء مرعبة و يؤسسان إلى شارعين متقابلين، هذا بالضبط يخدم الجهة التي تريد حرف التظاهرات عن واقعها.

في الحقيقة، أن بعض من هم في الساحات، أدركَ قبل خطاب السيّد حدوث شيءٍ مريبٍ، كنا قد ذكرنا ذلك في سياق أكثر من مقال، وهذا ظهر من خلال لجوء اليساريين التقليديين بالتحديد، نحو إجراء ورشة حساب وإستطلاع دقيقتين بنيّة فهم ما يجري.

وكان خيار أغلب المجموعات بعد تأكّدها حيال شكوكها، إستئصال الورم بإستخدام ساحة رياض الصلح، وفي طليعة خطواتهم السّهر على إعادة توجيهِ الاحتجاجات عبر توحيدِ وتصويبِ الشعارات بإتجاه أسبابِ الخللِ الرئيسيِّ، الفساد وسلطة رأس المال.

لكن سرعان ما تدخَّل العامل الحماسي من خارجِ ما يُخطّط له، من خلال استجداءِ خدماتٍ لبعض المناصرين المتحَمِّسين لحزب الله، الذين اقتحموا الساحات وبخاصةٍ رياض الصلح، ما عرقلَ تنفيذ خططِ إعادة تصويبِ المسار وحرفهِ بإتجاه مواجهاتٍ ميدانيّةٍ مع المتظاهرين، وهو ما وُضِعَ في خانة التصرفات الطائشة غير المُنَظَّمة.

وللأمانة، خطوةٌ من هذا النوع، مثلت نمو إعتراضات واسعة، إن لدى اليساريين أو عند البيئة المؤيِّدة للحزب، التي عبَّرت صراحة عن رفضها اعتماد سلوكيّات أحزابٍ أخرى. وقد إختبرَ محلّلون وصحفيون مقرّبون من الحزب هذه الفصول خلال ندوةٍ أقيمت في مركز التدريب التابع لبلدية حارة حريك بدعوةٍ من معهد الدراسات الدولية، إذ سمع هؤلاء انتقادات بالجملة للتدخلات إن في النبطية أو رياض الصلح.

غير أنّ حزب الله ينفي من جهّته امتثاله إلى هذه الأساليب، بل يعتبر أنّ ما شهدته السّاحَتَيْن في اليومَيْن الماضيَيْن هو نتاجُ فعلِ ضغطٍ متراكمٍ من جرّاء الخطابات والتصريحات، وأن لا دور له في دعوةِ الناس أو أنصاره إلى إقتحامِ السّاحات، بدليلِ كلامِ السيّد نصرالله الذي دعاهم إلى الخروجِ فورًا. بل أنّ الظن يذهب بعيدًا حين يذكر أنه يتولى حاليًا إجراء مراجعةٍ لما جرى في النبطية من “قمعٍ” مستخلصًا أنه “أخطأ في التقدير والتنفيذ” وأنّ هناك مسؤولين ميدانيين تجاوزوا القرار المتصل بفتحِ الطريق بإتجاه تحويل ما جرى إلى ساحةٍ لتصفيةِ الحسابات.

ثم أنّ حزب الله، في تقديره، لا يريد التأسيس إلى فوضى، أو في الحقيقة لا يريد تقديم شروط استثمارات مجانية لمن يسعون إليها، لذلك عمَّم على عناصره عدم الخروج في تصرفاتٍ فرديّةٍ من دون أخذ مشورة القيادة.

في الواقع، نحن الآن لسنا في وارد التأسيس إلى فوضى، نحن حقيقة في الفوضى، أو أننا بدأنا الدخول فيها من الباب العريض، لكن تشخّصي هذه الفوضى الجاري تطبيقها حاليًا هو محلّ بحثٍ وتدقيقٍ للوصول إلى أي نوع فوضى نحن نعيش.

هل هي فوضى حزبية؟ فوضى ثورية؟ فوضى استغلالِ وجع الناس من قبل سفارات؟ فوضى انقضاضٍ على حزب الله وسلاحه من البطون الخاوية؟ فوضى ضياعٍ في الفعل ورد الفعل على ما يجري؟ فوضى إرباكٍ في مواقف الفريق الداعم للمقاومة، الضائع بين بلع التظاهرات وهضمها أو اجتثاثها بالقوة، مقابل إدارة فوضى صريحة تتم بهدوء لدى شارع مقابل قلب التظاهرات من مطلبية إلى سياسيّة ويحاول جرّ كافة الشوارع إليه؟ عن أي فوضى نتحدَّث؟

في الحقيقةِ، أنّ الفوضى المشار إليها قد تنبَّأ بحدوثها السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبكين قبل إنفجار الشارع اللبناني بأيامٍ معدودة، حين نطق بتحذيراتٍ تدور حول نيّة الولايات المتحدة تعميم الفوضى في لبنان. لم يكن هذا الكلام من النوع العادي لكون مصدره جهة دبلوماسية تتبع لدولة قطب ومحورية، أي أنّه نابع من معلوماتٍ دقيقةٍ.

لا بل ثمة معلومات، دقيقة المصدر، تتحدَّث الآن حول أنّ كلام السفير الروسي سرَّع بإتجاه تفجير الشارع لكون المخطّط الوليد بات أمام خطر الانكشاف، لذلك جرى استغلال أول موقفٍ حصَل وتمثل بابتزاز وزير الإتصالات محمد شقير اللبنانيين بـ”ضريبة الواتس آب”، وهي النقطة التي فاضَ بها الكأس.

في الواقع، أنّ الدبلوماسية الروسية كانت قد أحاطت من يعنيهم الأمر بمعلوماتٍ حول التوجّه الأميركي، بأدلةٍ وبراهين، لكن كالعادة تصرف بعض اللبنانيين معها بلا مبالاة، ترافقت مع عدم الاكتراث حيال التعامل مع معلومة جديدة، ذكرها السيد في خطابه الجمعة، حول توجه لدى أحد الأحزاب، لعلها “القوات اللبنانية”، في مجال دعوة مجلس الأمن إلى إدراج لبنان تحت الفصل السابع، أما تطبيق طريق هذا التوجه فيتكفل به تدحرج سياق الأحداث نحو مواجهات في الشارع.

لكننا في مكانٍ ما نستجدي الفوضى إلى شارعنا إن كنا نعلم أو لا نعلم، بدليل إقحام الشبان في محاولات “فرط” التجمعات، ما يصلح لاستنسابه لكي يكون ورقة قُدِّمت إلى الأميركي مجانًا.

من أجل ذلك، دعا حزب الله عناصره المنظمين إلى عدم إقحام أنفسهم في الشارع، بقيت بعض المجموعات التي يصفها أركان الحزب بأنها “طائشة وغير خاضعة له تنظيميًّا” تصول وتجول في الشارع.

وللعلم، أنّ أحد مسؤولي الحزب نزل إلى الشارع الجمعة، والدليل موجود لدى أكثر من وسيلة إعلام، عاملاً على سحب هؤلاء الأشخاص، لكن المشكلة التي واجهها أنّ طبيعة الاستفزاز كانت أعلى من صوته وأحبطت مسعاه، ثم أنهم، في أغلبهم، من غير الخاضعين للأمر التنظيمي.

وللعلم أيضًا، أنّ هؤلاء الشبان، يقدِّمون تصرفاتهم إلى الأميركي الدافع نحو إستغلال الفوضى على طبقٍ من فضّة، حين سيقوم لاحقًا بإدراج واستخدام هذه التصرفات ضمن خانة “قمع التظاهرات” التي تضمَن له جرّ تدخل خارجي ما يُعمل على تسويقه.

إذًا، نحن الآن أمام مشكلةٍ حقيقيّةٍ، مشكلة سقوطِ العقلِ من الشارع، وهذا بسبب حتمي قد يؤدي إلى إنزلاقنا باتجاه الهاوية. الحلّ، من جهة نظر مراقبة، يبدأ من تصحيحِ مسارِ التظاهرات وتنظيمها ولفظِ المتسلِّقين عليها خارجًا.

Exit mobile version