“ذي هيل”
15 تشرين الأول/أكتوبر 2019
يتصدّر التوغل التركي في شمال سوريا عناوين الأخبار، لكنّ الحادث الذي وقع في البحر الأحمر صباح يوم الجمعة قد يحمل الأهمية الجيواستراتيجية عينها.
هوجمت ناقلة النفط الإيرانية “سابيتي” التي كانت محمّلةً بمليون برميل من النفط ومتجهةً إلى سوريا وأصيبت على ما يبدو بقذيفتين متفجرتين في ساعات الصباح الأولى. وفي هذا الإطار، أفادت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط بأن الضرر “كان على الأرجح نتيجة ضربات صاروخية”. وعقب ذلك، عكست الناقلة مسارها بسرعة وبدأت رحلة العودة إلى إيران.
في هذا السياق، تساءل المراقبون الذين يشككون في حقيقة البيان الإيراني عمّا إذا وقع هجوم بالفعل. لا بل ربما، وفقاً لهذا المنطق، كان ذلك مجرد حيلة إيرانية متقنة لتظهر نفسها كضحية أخرى للهجمات الأخيرة التي استهدفت ناقلات ومنشآت النفط، والتي أدّت إلى لوم طهران إلى حد كبير وإن لم يكن ذلك بشكل قاطع.
وتُظهر الصور التي نشرتها إيران يوم الاثنين ثقبين فوق خط الماء على الجانب الأيمن من الناقلة. وبالنسبة إلى شخص عادي، يبدو ذلك وكأنه نتيجة تعرّض لهجوم. فلو كانت الناقلة تبحر نحو الشمال، لكان ذلك هو الجانب المواجه للساحل السعودي. لكنّ الحادث وقع على بعد 65 ميلاً جنوب غرب ميناء مدينة جدة السعودية في منطقة تقع بين السودان والمملكة العربية السعودية، حيث يبلغ عرض البحر الأحمر أكثر من 100 ميل.
وما يثير العجب هو إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن وجود شريط فيديو يوثّق الهجوم، غير أنه لم يُنشَر حتى تاريخ كتابة هذه السطور. وبناءً على المعلومات الحالية، فإن فكرة أنّ هذا الهجوم كان من صنع إيران لكي تصوّر نفسها كطرف متضرر تبقى إمكانيةً محتملةً. ويكون الدافع وراء ذلك الضغط لاعتماد خطة الأمن الإقليمي التي طرحها روحاني – مبادرة هرمز للسلام، والتي اختُصرت ربما على نحو مؤذٍ إلى “الأمل”.
ومن بين السيناريوهات الممكنة الأخرى أنّ الناقلة تعرضت لهجوم من قبل قوات بحرية أجنبية أرادت الرد على الاعتداءات الإيرانية الأخيرة على الناقلات في الخليج العربي والبنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية. فقد قللت وزارة الخارجية الإيرانية من أهمية التقارير الأولية التي أفادت بأن الصواريخ جاءت من المملكة السعودية. إذ يتطلب هجوم من هذا النوع مستوىً عالياً من الكفاءة العسكرية، لا سيّما إذا كانت النية إلحاق الضرر بالناقلة وليس إغراقها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تحاول في الآونة الأخيرة وقف تدفق النفط الإيراني إلى سوريا، وهذا ما يبيّنه التشجيع الذي قدمته للمملكة المتحدة في أيار/مايو عندما احتجزت هذه الأخيرة ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق كانت قد أبحرت حول أفريقيا لتتجنب استخدام قناة السويس في شمال البحر الأحمر. إلاّ أنّ إيران ردّت على الفور باحتجاز سفينة بريطانية في الخليج العربي، ولم تنتهِ الحادثة إلا عندما أفرجت سلطات جبل طارق عن الناقلة التي قامت في النهاية بتفريغ حمولتها في سوريا.
وعلى الرغم من التوترات السائدة، لا يزال سعر النفط منخفضاً نسبياً – أي أقل من سعر خام “برنت” المتابع عن كثب والمتداول على نطاق واسع، والذي بلغ سعره 60 دولاراً للبرميل الواحد يوم الاثنين. ومع ذلك، فخطر تصاعد الأسعار واختلال السوق لا يزال كبيراً. وبصراحة، تُعدّ صادرات النفط أهم بكثير لصحة الاقتصاد العالمي من الأحداث المأساوية الواقعة على طول الحدود السورية مع تركيا.
وما نشهده الآن قد لا يكون إلاّ امتداداً للتوترات الخليجية التي سادت هذا الصيف إلى البحر الأحمر. فقد يظل الخليج وممرّه الضيق عند مضيق هرمز يتسم بأهمية حاسمة أكبر من ناحية النفط، حيث يمثّل نحو 40٪ من الصادرات العالمية، لكنّ البحر الأحمر بمعبره الضيق عند باب المندب من الجنوب وقناة السويس من الشمال يكتسي هو أيضاً بأهمية كبيرة في ما يتعلق بمجال الطاقة – بل ويحظى بأهمية أكبر في ما يخص التجارة العادية بين أوروبا وآسيا.
وعلى الرغم من العقوبات، فإن الجمهورية الإسلامية في طهران، سواء كانت مخطِّطةً أو مراقبةً، لا تزال خصماً دبلوماسياً يتسم بقدر كبير من البراعة.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.