2020 – شباط – 20
“ليبانون ديبايت” – حسين بزّي
منذ عدة أشهر بدأت أولى معالم تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي وقد سُجّل التراجع الأول لليرة بين شهريْ تموز وآب من العام الماضي (قبل الإنتفاضة التي اندلعت في السابع عشر من تشرين) وقد تركّز هذا التراجُع تحديداً فيما يُعرف بسوق الهواتف الخلوية حيث سُجّل ارتفاعٌ ملحوظ بأسعار العديد من الهواتف الخلوية لا سيّما الحديثة منها وقد برّر بعضُ كِبار التُّجار حينها الأمر بأن سعر صرف الليرة في السّوق هو 1600 ليرة وليس 1515 كما هو موضوع من قبل المصرف المركزي، لم يلتفت أحد من المعنيّين في حينها للأمر رغم رفع الصوت من قبل العديد من خبراء الإقتصاد وعددٍ من النّاشطين على وسائل التواصل الإجتماعي.
مرّت الأيام وتسارعت الأحداث بدءً من الإنتفاضة الشعبية غير المسبوقة وما تلاها من إقفال للمصارف لأكثر من أسبوعيْن بذريعة قطع الطرقات واستتباب الوضع الأمني، كل ذلك أدى إلى مزيد من الإنخفاض والضعف للعُملة الوطنية حتى جاءت الضربة القاضية لتُجهز على ما تبقّى من ثقة بالليرة عبر الحجز الذي نفّذته المصارف الخاصة على حسابات وودائع المواطنين دون أيْ مُسوّغ قانوني وبغض نظر أقلّه من المصرف المركزي ما أدّى إلى عدم توفّر الدولار في الأسواق واحتكاره من قبل الصّيارفة الذين بدأوا بالتّحكُم به كأي سلعة أخرى مُحتكَرة من قبل تاجر مُعيّن ليُلامس بعدها سعر الدولار الواحد عتبة ال 2600 ليرة ليحمل معه تبعات كثيرة كغلاء الأسعار الفاحش ومشاكل كبيرة في سداد مُستحقّات المواطنين بالعُملة الأجنبية.
تحت ضغط الشارع قبلت المصارف الخاصة وبعض شركات التّسليف المعروفة بالكونتوارات تسديد القروض الدولارية للمواطنين بكافة أشكالها مدعومةً وغيرَ مدعومة بالعملة المحلية وبالسّعر الرّسمي مع وجود بعض الخروقات لبعض الفروع التي تُحاول تحصيل قدر المُمكن من المُقترضين على قاعدة أنّ أيْ شيء هو مكسب، من ناحية أخرى برز اسم “جمعية مؤسسة القرض الحسن” كإحدى أكبر جمعيّات التسليف التي تقوم وبحسب سجلّها التعريفي عبر موقعها الرسمي “بإعطاء القُروض لآجالٍ محدّدة للمُساهمة منها بحل ما أمكن من المشاكل الإجتماعية ولتعزيز روح التعاون والتكافل والتضامن بين أفراد المجتمع، الجمعية التي تأسست عام 1982 عقب الإجتياح الإسرائيلي للبنان ساهمت بشكلٍ كبير بحسب عددٍ من العملاء ممن اقترضوا منها بمساعدتهم على تخطّي جزءٍ كبيرٍ من أزماتهم المالية وقد ساعدت آخرين على إنشاءِ مشاريع ربحيّة صغيرة ومُتوسّطة أدّت إلى ارتفاع المداخيل الخاصة بهم لا سيّما مع التّسهيلات التي تُقدّمها الجمعية لجهة السُّرعة في إنجاز القرض المطلوب دون الدخول في الروتين الإداري المعروف لدى باقي الكونتوارات والأمر الأهم بحسب هؤلاء بأنّ الجمعية لا تضع عليهم فوائد ربحيّة بل تقوم بوضع بعض الرسوم البسيطة التي تُسميها المؤسسة “رسوم إدارية ورسوم تخزين” وهي قليلة جداً مقارنة بمؤسسات مالية أخرى ولا تُثقل جيْب المُقترض كالفوائد الربوية التي تفرضها المصارف الخاصة وهو من المُحرّمات الكبيرة بالنسبة للمؤسسة بحسب ما يقول مصدر إداري داخل الجمعية.
لماذا تُصر الجمعية على قبض القروض المُعطاة من قبلها بالدولار حصراً ولا تقوم بقبول الدفع لدى صناديقها بالليرة اللبنانية على السعر الرسمي إذا كان هدفها الوقوف إلى جانب الناس؟ يقول المصدر بأنّ الجمعية لديها نوعان من القروض، النوع الأول ما يُعرف بقرض الذهب والذي يقوم على إعطاء مبلغ ما من المال مقابل رهن كمية مُعيّنة من الذهب، تقوم المؤسسة بتثمين الذهب على القيمة السّوقية الأعلى كي لا يُظلم المقترض ثم نقوم بإعطاءه 70% من قيمة التثمين وتمويل هذا النوع من القروض يعتمد بنسبة 80% منه من المودعين لدينا وتُمول المؤسسة حوالي 20% أي النسبة المُتبقيّة وكما هو معلوم فإنّ الحسابات التي نُموّل بها قروض الذهب هي حسابات بالدولار وضعَها أناسٌ مُقتدرون دون أيْ مُقابل مُساهمةً منهم في أعمال الخير الإجتماعي لذا وطالما أن التمويل من حسابات دولارية لا يسعُنا إلا أن نقبض بالدولار كي لا تُظلم أصحاب الحسابات لدينا خاصّةً وأن هذه الحسابات تُستعمل لتمويل الآلاف من القروض والمس بها يُهدد المؤسسة برُمّتها وكما هو معلوم فإنّ مؤسسة القرض الحسن لا تتعامل مع المصارف بسبب العقوبات المفروضة عليها وهي تُضطر إلى شراء الدولار من السوق أسوةً بكل الناس، عقوباتٌ وصلت حد منع المؤسسة من شراء آلات عد النقود الخاصة بالمؤسسات المالية يُضيف المصدر.
أما عن النوع الآخر من القروض التي تُقدمّها المؤسسة فهو ما يُعرف بقرض الحساب أيْ أن يقوم صاحب أحد الحسابات بتجميد مبلغٍ مُعيّنٍ من المال الموجود في حسابه لصالح أحد المُقترضين وتقوم المؤسسة بإعطائه للعميل ويتميّز هذا القرض بأنه مُتوفّر بالليرة وبالدولار حسب نوع الحساب الموجود وتُعطي المؤسسة هذا القرض لحدٍّ يصل إلى مئة بالمئة من قيمة الحساب وعند دفع كل سند شهرياً يتم تحرير قيمة السند المدفوع لصالح حساب المودع حتى انتهاء قيمة القرض.
هل تقوم المؤسسة بالضغط على زبائنها عبر بيْع الذهب الموجود لديها أو إضافة رسوم تأخيرية، يجزم المصدر بأن مرحلة الوصول إلى بيع الذهب هي آخر المراحل وهو “أبغض الحلال” إذ أنّ هذه المرحلة يسبقها العديد من الخطوات كالإتصال بالزبون عدة مرات وإنذاره عدة مرات وإخطاره عبر الرسائل الخطية وكل الإتصالات والرسائل هي مجانية بعكس المصارف التي تُدرج هذه الخطوات ضمن احتساب التأخيرات، وأحياناً نطلب التفاوض مع صاحب الذهب ليُسدّد ما تيسّر فالمؤسسة هدفها انتظام الدورة المالية بها ليستفيد أكبر قدر ممكن من الناس من التقديمات وليس هدفنا بيع الذهب مُستشهداً بأرقام العام الماضي 2019 إذ قدّمت المؤسسة في هذا العام فقط حوالي 200 ألف قرض بقيمة 480 مليون دولار، وعن الأوضاع الحالية يُشير المصدر بأنّ المؤسسة تعي صعوبة الأوضاع الحالية وهي لن تتوانى عن الوقوف مع زبائنها حتى النهاية وقد سهّلت في الفترات الماضية بعض شروط الدفع ولم نُلزم أحداً ولم نضغط على أي مُقترض لتسديد كل المكسورات حتى أننا بتنا نقبل في الكثير من الحالات أجزاءَ مُعيّنة من السندات المُتأخّرة دون أي زيادات بحق أحد والتي تُضيفها بعض المصارف الخاصة وكونتوارات التسليف في حالاتٍ مُماثلة.
هل قامت المؤسسة بفرض قيود على الودائع كما فعلت المصارف؟ يُسرع مُحدّثُنا بالنفي القاطع ويؤكد بأن للمودع حُرية الحصول على أمواله في اللحظة التي يشاء بها ذلك طالما أن حسابه غير مُرتبط بقرض، فيكفي أن يأتي لأحد مكاتب الجمعية على الأراضي اللبنانية ليقوم بتسلّم حسابه بالكامل دون أي حسومات أو إجراءات ويُشدّد المصدر بأن المودع غير مُجبر على التوجّه إلى الفرع الذي يتواجد به حسابه بل يستطيع إنهاء كل الإجراءات في كل مكاتب الجمعية المُنتشرة، نسأل ماذا عن رسوم فتح الحسابات وإغلاقها وهل يحق لغير اللبنانيين ذلك؟ لا رسوم على فتح الحسابات وإغلاقها ويحق لكل شخص أن يودع لدينا أو أن يقترض منا بغض النظر عن الجنسية والعرق والدّين والمنطقة طالما تتوفر لديه شروط الإقتراض.
إذاً، وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها اللبنانيون وفي ظل الجشع الذي تتعامل به المصارف التجارية الخاصة تجدُ نسبة لا بأس بها من الناس جمعية مؤسسة القرض الحسن مُتنفّساً ولو محدوداً لها يُساعدها على تخطّي بعض الصعوبات الحياتية التي تُرافقها في دورتها الحياتية اليومية، صعوباتٌ لا يبدو بأنها ستنتهي في المدى المنظور للأسف.