إحذروا تجويع الضاحية!
إحذروا تجويع الضاحية!
عبدالله قمح | 2020 – شباط – 25
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تجاوزت الضاحية الجنوبية “قطوعَ” ليل الأحد – الإثنين بسلامٍ بعدما عبَرَ منسوب الخطر المترتب عن دعوة أصحاب الأفران إلى الإضراب الحدود ولامسَ الخطوط الحمراء.
مساء الضاحية تحوَّلَ إلى خليةِ نحلٍ. أفرادٌ تداعوا عبر مجموعات “واتسآب” للنزول إلى الشارعِ والتجمّع على دوار المشرّفية ودوار الصفير من أجل إيصال “صرخةِ جيّاعٍ” عنوانها “ممنوع الدق بالخبز”.
إذًا هي شبهُ “ثورة جياع” شأنها شأن الثورات المطلبية الاخرى. من كان يحتك مع الجموع في تلك الساعة كان يُدرك تمامًا أنّ كمية الاحتقان المتولدة عن غضبهم بإمكانها أن تتحوَّلَ إلى عمليةِ مطاردةٍ للافران تشبه الحملات التي تُشَنّ بشكلٍ منظمٍ على المصارفِ. وإذا كان بإمكان قوى الأمن ضبط الاولى فمن المؤكد أن ليس باستطاعتها ضبط الثانية نسبةً إلى الأجواءِ المؤاتية لها. بالنسبة إلى الحاضرين الغاضبين، فإنّ أفعال الافران لا تقلّ شأنًا أبدًا عن ارتكاباتِ المصارفِ.
وليس من قريب التهويل، أنّ تحركات الضاحية الليلة، سواء التي أتت على نطاقٍ عام أو تلك التي بقيت مكبوتة في النفوس، محفوفتان بالمخاطر وأنذرتا إلى وجود نواة “ثورة جياع” تقف عند اسوار الضاحية وقد تؤدي إلى اندلاعها في حال عدم أخذ الموضوع على درجةٍ عاليةٍ من الاهتمام.
وهكذا تبين لدى المتابعين، أنّ الغضبَ بإمكانه الخروج عن سقفِ الاعتراض المعقول، وقد يطيح بالانضباطِ العام ويؤدي إلى حصول اهتزازٍ إجتماعيٍّ بفعل ما مارسه أصحاب الأفران طيلة أيامٍ، بصرفِ النظر عن القضية التي ينادون بها.. وكانت القاعدة لدى المعتصمين الغاضبين “لا خبز، لا أمن”.
سريعًا، ارتسمَ حبلٌ عريضٌ من المخاطر ليس حول الافران فقط بل حول الضاحية المربوطة بزنّارٍ أمنيٍّ واضحٍ تتحرك في داخله حمم نشطة ذات ميول مطلبية إجتماعية لا سياسية، ولكن لا يُمكن فصل مصلحة البعض في إلباسها “الطقم السياسي” ما دام كل شيء في لبنان مصبوغٌ بالسياسةِ.
لذا كان لا بد من إحتواء غضب الجماهير في الشارع، وما كان يُطمئن أنّ تلك “النواة” غير خاضعةٍ لاسبابٍ أو أهواءٍ سياسيةٍ أو هي عبارةٌ عن مبادرةٍ مُعلَّبةٍ سياسيًا أو نتاج إعتراضٍ على مسألةٍ سياسيةٍ أو إستراتيجيةٍ ما بل يمكن القول، أنها تندرج ضمن معايير تغيير المزاجِ الشعبي بالنسبة إلى الملف الاقتصادي الضاغط تقودها مشاعر جموعِ الغاضبين غير المُسَيَّسين الموالين لـ”خطِّ المقاومة” بالطبع.
في وعي أهالي الضاحية، أنّ المقاومة أمَّنت لهم الأمن في زمن الحرب وهم بدورهم جيّروا لها التأييد، لذا فإنّ المطلوبَ منها تأمين الأمن الغذائي زمن السلم، ولا جدال في أنّ الضغطَ الموجود لدى مؤيديها يفرض ثقله عليها… لذا ضربت ليل الأحد – الاثنين يدها على الطاولةِ رافضةً إبتزاز جمهورها أو محاولة تجويعهِ.
يمكن القول، أنّ “الثنائي الشيعي” أدركَ خطورة ما يحدث على الأرض في تلك الليلة، وليس سرًّا أن يهمه إبقاء الامور الاعتراضية تحت سقفهِ خشية من مغبة إنزلاقها إلى أماكن أخرى أو مسارب قد يجد بعض الخصوم السياسيين مصلحة في تأجيجها.
و”الثنائي” يعلم جيدًا، أنّ قاعدته منذ الانتخابات المنصرمة، وضعته على “طاولة الاختبار” فلم يعد مطلوبًا منه الأقوال بل الأفعال، لذا هو يُدركُ تمامًا الوضعية الموجود فيها ودقة المرحلة وضرورة الاتيان بحلولٍ ونزع مكامنِ الخللِ متى وُجِدَت.
على هذا الاساس، وزَّعَ “الثنائي” الأدوار. حركة أمل ومن خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري تولت الشق التقني من “موضوعِ الرغيف” عبر مساعٍ بذلها مع نقابةِ أصحاب الأفران للعدول عن قرار الاقفال. وليس سرًّا أنّ شيئًا من الكلام عالي السقف أُسمِعَ لهم وقد احيطوا علمًا بكميةِ المخاطر المترتبة عن قرارهم الاستمرار بالاضرابِ.
أما حزب الله، فقد أسَّسَ لمحاكاةٍ واقعيةٍ لما جرى في الشارعِ. وهنا يُمكن القول، أنّه أبلغ إلى أصحاب الافران، خطورة ما يجري على الارض وأنّه قابلٌ لأن يتطور بسرعةٍ قياسيةٍ، والتصرفات الناتجة عن التعنتِ والاستمرار في قرار الإضراب قد تنطوي على مخاطر جسام على الافران، وأن لا الدولة أو الاحزاب لديها القدرة على ضبطِ تصرفاتِ الناس أو إحتوائها متى كانت القرارات تدق بـ “وبر معدتهم”.
وأسدى “الثنائي”، نصيحةً إلى أصحاب الافران للتراجع فورًا عن القرار وإلّا تقع عليهم مسؤولية تحمّل عواقب مثل هذا القرار، فجاءت النصيحة أقرب إلى تحذيرٍ صريحٍ وواضحٍ أدى الى كفِّ يدهم قبل حلولِ منتصفِ الليل بلحظاتٍ.
ثمة من يعتبر، أنّ “الثنائي الشيعي” بتدبيره هذا، قد نفذ ما يشبه عملية “تصريفِ نفوذٍ” أو “فائض قوة” على أصحاب الأفران دفعتهم بالتالي إلى التراجع عن قرار الإضراب والاقفال.
قد يجد هذا التصرف، قبولًا منطقيًا لدى الاكثرية بحكمِ أنّه احتوى المخاطر المترتبة عن قرار “قطع الخبز” إن لم نقل مصدر ترحيب وهو أمرٌ مطلوبٌ ما دام يؤدي فعل كبحِ جموحِ “أولياء الخبز”، لكن الحقيقة تقول، أنّ المشكلة ما برحت مكانها ما دامَ أصحاب الأفران لم يغادروا أو لا يستطيعون مغادرة فكرة أن عليهم تأمين أرباحٍ تقدَّر بـ40% من أصل ثمن ربطةِ الخبز!